وقد دار النقاش في الجلسة الأولى حول التحدّيات السياسية والسيادية، حيث تحدّث الخبير في السياسات العامّة واللجوء والهجرة زياد الصائغ الذي أكّد أنّ مسألة النزوح منهكة على المستويين الإقليمي والدولي وعلى المستوى المحلي، وأنّ معضلة غياب التوافق الوطني أتت نتيجة إمّا قراءة أيديولوجية أو الذهاب إلى إنكار المسؤولية وهو ما وقع على عاتق اللبنانيين، إذ لا يوجد رقم موحد لعدد اللاجئين السوريين، فالكل ينظر من منظاره الحزبي والطائفي. كما أنّ فريقًا لبنانيًّا، هو حزب الله قرّر التورّط في سوريا، وتسبب بتهجير كل أهالي القلمون والقصير وريف حمص، وخروجه من سوريا سيؤدّي إلى عودة مئات الآلاف من النازحين. ومن يحمل لواء النزوح اليوم هم أكثر المتورطين بعدم معالجة موضوعية لهذا الملف، فعلى المستوى الإقليمي الدولي هناك اشتباك تسبب بفشل مسار الحل السياسي لعودة النازحين، وعلى المستوى المحلّي هناك فشلَين ذريعَين، أولهما فشل لبنان بإدارة الأزمة واعتماد الديماغوجية واستنفار الغرائز، والفشل الثاني متعلق بغياب ديبلوماسية العودة. فلبنان فتح حدوده دون وجود آلية للتمييز بين النازح والعامل والذي يريد الذهاب إلى دول أخرى، ثم رفض تسجيل النازحين تحت حجة الخوف من التوطين، ما أدّى إلى غياب الداتا، وامتنع عن تسجيل الولادات السورية تحت حجة عدم توطينهم لنكتشف أنّ الكثير منهم أصبحوا مكتومي القيد، إذ إنّ فريقًا لبنانيًّا اعترض على توقيع مذكرة تفاهم مع الـ unhcr. لذا فإنّ من الضروري إنجاز داتا موحدة، ثم التصنيف والتمييز بين العامل والطالب والنازح، ثم تنظيم سوق العمل بحسب الحاجة لليد العاملة السورية.
وفي الجلسة الثانية تحدثت جوزيان مطر المرشحة لنيل شهادة الدكتوراه في دراسات الهجرة في جامعة أوكسفورد، عن مسارات التعاون مع الأمم المتّحدة وعن خيارات في الحوكمة السليمة، حيث قالت إن لبنان اعتمد سياسة اللاسياسة في ملف اللاجئين، بقصد ضمان وصول الدعم لهم من الدول المانحة، في ظل الأزمة السورية ورغبة الاتحاد الأوروبي بإبعاد اللاجئين عنه، من خلال استمرار الدعم للدول المضيفة، لكن الأمم المتحدة تواجه عواقبَ تحدُّ من قدرتها على العمل على الأرض، وهي القيود الهيكلية والتحديات المحلية، حيث وصل للدولة اللبنانية أكثر من ٩ مليارات دولار لدعم العائلات الأكثر فقرًا، لكن خسائر الأمم المتحدة بحسب رويترز بلغت نحو ٢٥٠ مليون دولار بسبب فرق العملة والأزمة الاقتصادية. وفي حين ركّز الدعم الأوروبي على الاحتياجات الأساسية للاجئين، لم يكن هنالك تركيز على دمجهم بسوق العمل، إذن فقد أثبت المجتمع الدولي فشله بالحماية والحفاظ على حقوق الإنسان، إذ لا يمكن أن يكون الحل من قبل الأمم المتحدة فقط مع غياب دور الدولة اللبنانية، فمشكلة النزوح ليست بين لبنان وسوريا، بل بين لبنان ولبنان بسبب الانقسام الحاصل.
بعدها، في الجلسة الثالثة التي حملت عنوان التحديات الأمنية، تحدّث اللواء الدكتور عبد الرحمن شحيتلي، المدير العام للإدارة في وزارة الدفاع، وممثل الحكومة اللبنانية مع اليونفيل سابقًا، فأشار إلى أنّ تحديات أمنية عدة تواجهنا في لبنان، أولها على الحدود اللبنانية الجنوبية، حيث أدّت الحرب على غزة إلى اشتباك ما قبل ساعة الحقيقة حيث الحل الديبلوماسي مسبوق بتحمية عسكرية، وهذا يلقي تحديًا كبيرًا على عاتق الجيش اللبناني، وثاني هذه التحدّيات هو تحدي الحدود الشرقية وعدم القدرة على السيطرة عليها، وثالثها هو تحدي الجرائم التي تحصل في البلاد من خلال الخلايا الإرهابية، وقد أرخت أعباءها على القوى الأمنية، وليس آخرها التحدي الأمني على الحدود البحرية، المتمثل بالهروب عبر البحر من خلال العصابات التي تؤمّن ذلك. لذا يجب علينا دراسة كل السيناريوهات لنتمكن من الإمساك بالأمن، وتنظيم وجود النازحين من خلال منحهم بطاقات تعرف عنهم بأنهم نازحين، وتنظيم عودتهم من خلال التمييز بين من يستطيع العودة وبين من لا يستطيع كاللاجئ السياسي، إضافة إلى خلق محكمة خاصة بالسوريين للتخفيف من الضغط على القضاء، فنحن ليس لنا علاقة بمن يحكم سوريا، لأن دورنا يقتصر على التعاطي معها من دولة لدولة.