وقد دار النقاش في الجلسة الأولى حول الرؤية المستقبلية للاقتصاد اللبناني: أيّ اقتصاد نريد للبنان في مئويته الثانية، حيث تحدثت المديرة التنفيذية لـ "كلنا إرادة"، ديانا منعم، وناقشها الدكتور حسن شري، أستاذ مادة الاقتصاد في الجامعة الأميركية والخبير في شبكة المنظمات العربية غير الحكومية للتنمية.
أما الجلسة الثانية فكانت عن السياسات الاجتماعية في لبنان من أجل العدالة الاجتماعية والمساواة، وكان المتحدث فيها أديب نعمة، الخبير في شؤون التنمية والمستشار في شبكة المنظمات العربية غير الحكومية للتنمية، وناقشه الدكتور أسامة صفا، الخبير الأول في السياسات الاجتماعية في اللجنة الاقتصادية والاجتماعية لغرب آسيا - الإسكوا.
وفي تفاصيل الندوة قال زياد عبد الصمد إن الفكرة الأساسية هي أن كل الذين يفكرون اليوم في لبنان للخروج من الأزمة يحاولون الانطلاق من الواقع الراهن للاقتصاد اللبناني وللسياسات الاجتماعية، لذا نحن سنحاول أن نستشرف شكلًا نظاميًّا مختلفًا للوضع الاقتصادي وللسياسات الاجتماعية، وأن نخرج من الصندوق.
وأكدت ديانا نعمة أن لبنان رغم كل شيء ما زالت لديه الموارد لبناء اقتصاد المستقبل، وأهم هذه الموارد هو رأس المال البشري الموجود، وبالطبع هناك خطر أن نخسره في ظل الأزمة الراهنة، لكننا ما زلنا نملك رأس مال بشري كبير جدًّا. لدينا أيضًا علامة "لبنان" التجارية التي ما زالت بارزة في العالم وما زلنا قادرين على البناء عليها. أيضًا لدينا الموارد الطبيعية من شمس وهواء وموقع للبنان من أجل البناء عليها في المرحلة القادمة. لبنان بلد صغير وليس بحاجة إلى الكثير من الموارد كي نطلق عجلته الاقتصادية. ما نحتاج إليه هو أن نوظف الموارد الموجودة عندنا، ونركز على تصدير منتجات وخدمات ذات قيمة مضافة وبرأس مال بشري، مثل الصناعات والمنتجات الفنية والثقافية والتصميم وخدمات التكنولوجيا، بالإضافة إلى السياحة والخدمات المرافقة لها. وحتى نكون واقعيين، لا يمكن أن يكون هناك اقتصاد دون وجود دولة وأمن، وللأسف نحن نفتقدهما كليهما، كما يجب أن نعالج مشكلتنا الاقتصادية الآنية قبل أن نحلم باقتصاد المستقبل، لكن للأسف البوادر اليوم غير مشجعة.
وأشار الدكتور حسن شري إلى أن سياسات لبنان الاقتصادية في مئويته الأولى كانت مرتبطة بدوره الذي يؤديه تجاه المنطقة والعالم ولا سيما دول الخليج النفطية، ودول شمال أفريقيا والدول الغربية. اليوم دخلت تشوهات كثيرة على هذا النموذج الاقتصادي منذ التسعينات مرورًا بالأزمة حتى الانهيار الاقتصادي والاجتماعي، وهذا النموذج انتهى، وعلينا أن نفكر الآن بالمئوية الثانية. إن كنا نفكر باقتصاد مبني على ثلاثية الإنتاج والمهارات والتصدير، فيجب أن نقر بضرورة وجود دولة واثقة من شرعيتها، وقيادة قادرة على إدارة هذه المرحلة في الوقت نفسه.
فيما صرّح أديب نعمة أنه حاول نقل طريقة مقاربة المسألة الاجتماعية التي جرت في قمة كوبنهاغن سنه ١٩٩٥، إلى الواقع اللبناني. وجوهر هذه القمة يكمن في أنه حتى نستطيع أن نتقدم يجب أن نضع الشروط المطلوبة لخلق البيئة المساعدة على تحقيق التنمية الاجتماعية، ومن هذه الشروط هناك شرط سياسي، وشرط اقتصادي، وشرط قضائي، وشرط تشريعي، وشرط السياسة الاجتماعية، التي يجب أن تكون مركبة، فصحيح أننا يجب أن نهتم بالسياسات القطاعية، لكن الأساس هو أن نتدخل على المستوى الكلي لنعيد دينامية صاعدة، وحراكًا اجتماعيًّا صاعدًا، وتماسكًا وطنيًّا ومجتمعيًّا داخل المجتمع اللبناني ككل، وهذا أمر قابل للتحقيق، لأن لدينا مواطنين شديدي النشاط، وقد برهنوا عن ذلك في ١٧ تشرين، كما أن لدينا منظمات مجتمع مدني شديدة الفعالية والنشاط، إن استطاعت أن تتوحد حول مشروع الدولة القوية والعادلة والممسكة بقرارها، فبإمكاننا أن ننهض بالمجتمع اللبناني بكل مستوياته.
أما الدكتور أسامة صفا فشدّد على أن لبنان بحاجة إلى عقد اجتماعي جديد، وهذا العقد يستحيل أن يقوم دون مصالحة مجتمعية تتناول بالفعل كل مخلفات الماضي وكل المعوقات التي تمنع المجتمع من أن يتقدم إلى الأمام. كما أنه لا يمكن لعقد اجتماعي أن يقوم على أسس مستدامة وواضحة دون ردم الهوة الموجودة أساسًا داخل المجتمع اللبناني بين المكونات المختلفة، والتي أسست لها الاستقطابات والفرز والانقسامات الحاصلة والتي تتأثر أصلًا بالوضع السياسي. كما يجب أيضًا ترميم مؤسسات الدولة وقدراتها لتقوم بدورها في هذا العقد الاجتماعي. إذن نحن اليوم أمام انهيارات متعددة يجب معالجتها قبل الوصول إلى عقد اجتماعي مستدام ويحقق المواطنة والعدالة والمساواة الاجتماعية.