دُق المسمار الأول في نعش بورصة بيروت. وبعد نحو ستة أشهر، ستتحول البورصة إلى واحدة من دوائر القطاع العام غير المنتجة، والمفرّغة من معظم كوادرها. شئنا أم أبينا، فإن المنصة الإلكترونية التي أطلقت بشكل رسمي منذ أيام، ستطيح بما تبقى من بورصة بيروت، مهما حاول المعنيون بشأن الأسواق المالية إطلاق تطمينات بأن المنصة ستكون مكمّلة للبورصة وليست منافسة لها.
فحال البورصة والمنصة سيكون مرآة للقطاعين العام والخاص المتخاصمين منذ زمن، رغم اختلاف أوجه الشبه بين الحالتين، والسبب.. إهمال الحكومات المتعاقبة و"تناطح" السياسيين على تعيين شخصين ممثلين للدولة في مسار خصخصة بورصة بيروت، الذي عرقلته المناكفات منذ العام 2012، تاريخ إقرار قانون الأسواق المالية، وإلزام الحكومة بخصخصة البورصة، مروراً بالعام 2017، تاريخ صدور مرسوم عن مجلس الوزراء يتعلّق بكيفية خصخصة بورصة بيروت. وهو ما لم يحصل حتى اليوم.
وبعد سبع سنوات من التأخر بتطبيق القانون وخصخصة بورصة بيروت، ونظراً لترهّل البورصة وهزال نشاطها، ومحدودية الشركات المدرجة فيها، رأت هيئة الأسواق المالية أن المخرج الوحيد للوضع الراهن للسوق المالية هو استحداث منصة إلكترونية حديثة، تواكب التطورات. وهو ما حدث فعلاً. فقد تم إطلاق منصة التداول الإلكترونية بناء على فض عروض. ونالت رخصة تشغيلها مجموعة بنك عودة وAthex Group.
ولا شك أن المنصة الإلكترونية المرتقب خروجها فعلياً إلى النور بعد ستة أشهر، تعتبر من أهم إنجازات هيئة الأسواق المالية. وهي نتاج عمل متواصل على مدى ثلاث سنوات. وما كانت لتولد لو لم يكن القرار النهائي بإطلاقها بيد هيئة الأسواق المالية ومصرف لبنان فقط.
ارتباط مصير بورصة بيروت بالحكومة يُقلق رئيس بورصة بيروت بالإنابة، غالب محمصاني، الذي أعرب في حديث إلى "المدن" عن مخاوفه من استمرار عملية التعطيل، وتلكؤ الحكومة بتعيين ممثليها في الهيئة التأسيسية، المعنية بتحويل بورصة بيروت إلى شركة خاصة، قبل التفرغ الكلي عن أسهمها، لصالح القطاع الخاص.
المخاوف تلاحق كافة المعنيين بعمل بورصة بيروت. إذ توقع مصدر من البورصة في حديث لـ"المدن"، أن تشكّل المنصة الإلكترونية عامل ضغط إضافياً على بورصة بيروت، مؤكداً خروج المساهمين منها تدريجياً، بعد دخول المنصة حيز التنفيذ، بحثاً عن أرضية للتداول أكثر حداثة ومواكبة لتطورات العصر من بورصة بيروت.
ورغم المخاوف التي تنتاب المحيطين بعمل بورصة بيروت، إلا أن مدير الأبحاث والإعلام لدى هيئة الأسواق المالية، طارق ذبيان، طمأن في حديث إلى "المدن" أن ليس بالضرورة أن تحُد المنصة من نشاط بورصة بيروت، نظراً لاختلاف نوعية الشركات والأوراق المالية المدرجة على البورصة أو المنصة. كما أنه من المبكر أن تتّضح الصورة. واعتبر أن تشبيه العلاقة المرتقبة بين البورصة والمنصة بالعلاقة بين القطاعين العام والخاص غير دقيق "لكن قد يكون التشبيه استند إلى اختلاف نشاط البورصة عن ما هو مرتقب في المنصة، لجهة الحركة والمبادرة والتداول وغيرها.
وبالعودة إلى المنصة الإلكترونية، فإنها تهدف إلى تدعيم مرتكزات القطاع المالي في لبنان، ليواكب ويكمل عمل القطاع المصرفي المتطور، حسب تعبير رئيس هيئة الاسواق المالية حاكم مصرف لبنان، رياض سلامة، لاسيما أن المنحى العالمي اليوم يتمثل بوجود أسواق مالية ناشطة، تجذب السيولة اللازمة لنمو مختلف القطاعات الاقتصادية. وتفتح أمامها خيارات متعددة للحصول على التمويل المطلوب.
الشركة التي ستشغّل المنصة، والمؤلفة من مجموعة بنك عودة وAthex Group، هي شركة متخصصة بإدارة البورصات عالمياً (تدير أكثر من ثلاث بورصات عالمياً). وهذا الأمر سيتيح، حسب ذبيان، أن يكون لها بُعداً وانفتاحاً على تلك البورصات، فلن يقتصر نشاطها على السوق المحلية؛ فضلاً عن التزامها تأمين سيولة بقيمة 100 مليون دولار كـ Market Maker، ما يساهم في إيجاد عرض وطلب دائم على المنصة.
كما أن الأدوات المالية التي سيتم عرضها على المنصة، وفق ذبيان، ستكون جديدة ولن تكون معروضة سابقاً على بورصة بيروت، كالذهب والمعادن والعملات والسلع والسندات بالليرة وبالعملات الأجنبية. ومن الممكن أن يُدرج النفط وغيره. إلا أن ذلك يعود إلى الشركة المشغّلة للمنصة. فهي من سيُقرر لاحقاً ماهية الأدوات التي سيتم إطلاقها، بناء على دراستها ولفهمها للسوق وللمستثمر.
أما بالنسبة إلى شروط الاستثمار والتداول عبر المنصة، فقد أوضح ذبيان، وحسب التعميم الصادر عن هيئة الأسواق المالية، الذي يحدد آلية التداول في كافة البورصات، فإن أي حساب تداول trading account سيُفتح في لبنان يجب أن يكون بالحد الأدنى 15 ألف دولار نقداً أو ما يعادله من الأدوات المالية.
نقلاً عن عزة الحاج حسن – جريدة المدن