وتقدم الورقة البحثية المعنونة "تنبؤات جوية عالمية متوسطة المدى ودقيقة باستخدام شبكات عصبونية ثلاثية الأبعاد"، طيفاً واسعاً من التجارب المستقلة التي تثبت كفاءة النموذج الجديد، حيث يتحدى "بانغو ويذر" الافتراضات السابقة التي تزعم بأن تنبؤات الذكاء الاصطناعي للطقس أقل دقة من التنبؤات التقليدية العددية. وتعتبر هذه المرة الأولى التي يقوم فيها باحثون في شركة تكنولوجيا صينية بالتأليف الحصري لورقة بحثية في مجلة "نيشتر" وفقاً لأرشيف المجلة.
وأدى التطور السريع لقدرات الحاسوب على مدار الثلاثين عاماً الماضية لتحسن ملحوظ في دقة نظام التنبؤ التقليدي العددي للطقس، مما ساهم في تجنب العديد من مخاطر الكوارث الكبرى وتوفير توقعات حول التغيرات المناخية. إلا أن عملية التنبؤ لم تصل لمستوى السرعة المطلوبة، وسعى الباحثون للوصول إلى كيفية استخدام طرق التعلم العميق للوصول للدقة المطلوبة للتنبؤ بالطقس، لكن الأنظمة التي تعتمد على الذكاء الاصطناعي للتوقعات متوسطة وطويلة الأجل بقيت أقل من دقة التنبؤات العددية. ولم يتمكن الذكاء الاصطناعي من التنبؤ بالأحوال الجوية الشديدة وغير العادية مثل الأعاصير. ورغم بعض النتائج الإيجابية التي حققتها نماذج الذكاء الاصطناعي للتنبؤات الجوية، إلا أنها كانت تفتقر على الدوام للدقة والسرعة، ويعزى ذلك لسببين. أولهما اعتماد نماذج ذكاء الاصطناعي للتنبؤ الجوي على شبكات عصبونية ثنائية الأبعاد، لذا لا تستطيع معالجة البيانات الجوية ثلاثية الأبعاد المتباينة. وثانياً، تعرض توقع الطقس على المدى المتوسط لأخطاء تراكمية عند استخدام النموذج عدة مرات.
ويقدر عدد الأعاصير التى تحصل سنوياً حول العالم بحوالي 80 إعصاراً تتسبب أغلبها بخسائر مادية فادحة. وعلى مستوى الصين فقط، نجم عن الأعاصير في عام 2022 خسائر اقتصادية مباشرة بقيمة 5.42 مليار يوان بحسب بيانات وزارة الطوارئ الصينية. وكلما تم إرسال تحذيرات في وقت أبكر، كلما زادت سهولة وفعالية اتخاذ التدابير الاحتياطية اللازمة وتقليص حجم الخسائر. وفي مايو 2023، جذب إعصار "ماوار" انتباه العالم بأسره وحصد لقب أقوى إعصار استوائي في العام حتى الآن. ووفقاً لإدارة الأرصاد الجوية في الصين، قام نموذج "بانغو ويذر" بالتنبؤ بمسار إعصار ماوار بدقة قبل خمسة أيام من تغير مساره في المياه الشرقية لجزر تايوان.
كيفية تعامل "بانغو ويذر" مع هذه التحديات
برزت دقة نموذج "بانغو ويذر" في التجارب العلمية كبديل ثوري لطرق التوقع العددية التقليدية التي تحتاج لوقت يترواح بين ساعة واحدة إلى 7 أيام. ومع زيادة سرعة تنبؤه بمقدار 10 آلاف مرة، بات بإمكانه تنبؤ أدق تفاصيل الحالة الجوية كالرطوبة وسرعة الرياح ودرجة الحرارة وضغط مستوى سطح البحر خلال بضع ثوان.
ويستخدم النموذج الجديد محولاً خاصاً بالأرض ببنية ثلاثية الأبعاد لمعالجة البيانات الجوية ثلاثية الأبعاد غير المنتظمة والمعقدة. وتم تدريبه باستخدام استراتيجية تجميع هرمية زمنية على فترات تنبؤ مختلفة عبر فواصل زمنية قدرها ساعة واحدة و3 ساعات و6 ساعات و24 ساعة، ما نتج عنه تقليص حجم التكرار في التنبؤ بالحالة الجوية في وقت معين بالإضافة إلى تقليل التوقعات الخاطئة.
وقام الباحثون بتدريب النموذج على فترات زمنية معينة، عبر 100 دورة باستخدام عينات ساعية من البيانات الجوية للفترة الممتدة من 1979 إلى 2021. وبات بإمكان النموذج الجديد توفير تنبؤات الطقس العالمية لمدة 24 ساعة في 1.4 ثانية فقط باستخدام بطاقة رسومات V100، مما يمثل تحسنًا بمقدار 10,000 مرة مقارنة بالتوقعات العددية التقليدية.
وفيما يخص أهمية وجودة البحث الذي أجراه فريق "هواوي كلاود"، سلط المراجعون الأكاديميون في مجلة "نيشتر" الضوء على سهولة تنزيل وتشغيل نموذج "بانغو ويذر" وسرعة تشغيله حتى على الحاسوب المكتبي، ما يعني أنه يمكن الآن لأي فرد من مجتمع الأرصاد الجوية استخدام هذا النموذج واختباره بقدر ما يرغب. وهي فرصة رائعة للمجتمع العلمي للاطلاع على درجة الجودة التي تتمتع بها تنبؤات النموذج لظواهر طبيعية محددة. وسيساعد ذلك في تعزيز التطور والتقدم في مجال الأرصاد الجوية ويشير المراجعون بأن النتائج التي تم الوصول إليها تمثل نقلة نوعية هامة ومبتكرة تتفوق بالتأكيد على النتائج السابقة، وسيؤدي النموذج الجدد لإعادة تقييم شكل نماذج التنبؤات في المستقبل.
ويوضح الدكتور تيان تشي، رئيس علماء الذكاء الاصطناعي في فريق "هواوي كلاود"، وعضو معهد مهندسي الكهرباء والإلكترونيات الأمريكي IEEE والأكاديمية الدولية اليورو آسيوية للعلوم سبب اختيار فريق البحث للذكاء الاصطناعي التركيز على مجال التنبؤات الجوية، بقوله: "تعد توقعات الطقس واحدة من أهم السيناريوهات في مجال الحوسبة العلمية باعتبار أن التنبؤ الجوي نظام معقد للغاية، ومع ذلك، يصعب الإلمام بجميع جوانب المعرفة الرياضية والفيزيائية المتعلقة به. ولهذا نحن مسرورون جداً بالاعتراف الذي حصلت عليه أبحاثنا من مجلة ’نيتشر‘.
وفي الوقت الحالي، تمتلك نماذج الذكاء الاصطناعي القدرة على استخراج القوانين الإحصائية لتغير الغلاف الجوي من خلال تحليل البيانات الضخمة، ويقوم نموذج ’بانغو ويذر‘الجديد بإتمام عملية نظام التوقعات بشكل أساسي، وتركز قدرته الرئيسية على التنبؤ بتغير حالة لغلاف الجوي. ويتمثل هدفنا النهائي في بناء جيل أكثر تطوراً في مجال التنبؤ بالطقس عن طريق تقنيات الذكاء الاصطناعي من أجل تعزيز أنظمة التوقعات الحالية والمساهمة بتفادي الكوارث والخسائر".