1-لقد أوقعت هذه الجريمة الكارثية أكثر من 200 قتيل وما يزيد عن 7 آلاف جريح ومعوّق وألحقت أضراراً متفاوتة بحوالى 62 ألف وحدة سكنيّة، أصبح قسم كبير منها غير صالح للسكن؛ كما أصيبت نحو 20 ألف مؤسّسة تجارية بأضرار قُدّرت بزهاء 4 مليارات دولار، ونالت أعدادٌ كبيرة من المؤسّسات السياحية والتعليمية والاستشفائية، ومن المنشآت الدينية والمؤسّسات الحكومية والسيارات والمركبات الخ. نصيباً لا يُستهان به من الدمار، بحيث طاولت الخسائر المادية أكثر من 300 ألف مواطن لبناني.
2-وعليه، تستنكر حركتنا وتدين بشدّة تقاعس السلطات القضائية المعنيّة عن متابعة التحقيقات الواجبة في هذه الجريمة، التي لا مفرّ من كشف ملابساتها وجُناتها ومخطّطيها ومرتكبيها، وإنزال أقسى العقوبات بهم. وتحمّل الحركة كلّ القيادات السياسية القابضة على السلطة كامل المسؤولية عن هذا التقاعس، وعن الجمود الذي أصاب مسار التحقيقات منذ مدة غير قصيرة وشكّل برهاناً جديداً وساطعاً على تقويض استقلالية القضاء وعلى عدم احترام فصل السلطات الذي ينصّ عليه دستور الجمهورية اللبنانية. إن كشف المجرمين ومحاكمتهم واجب انساني ووطني، لا تتقدّم عليه أيّة أولويّة، وإحقاق العدالة في هذه القضية يندرج في نطاق الدفاع عن مصلحة الوطن العليا وعن حقوق الشعب اللبناني بكامل مكوّناته.
3-تؤكّد الحركة تأييدها التام للتحرّكات الشعبية المدافعة عن " قضية المرفأ " والمطالبة باستكمال التحقيق الجنائي حتى صدور القرار الظنّي ومباشرة محاكمة المجرمين والتعويض العادل على ذوي الضحايا والمتضرّرين.
4-في السياق ذاته، تعيد الحركة التذكير بقضيّة أخرى بالغة الأهمية، هي قضية استعادة أموال المودعين من كيانات المنظومة المالية-المصرفية، التي تشكّل مع أمــراء الطوائف السياسية " ائتلاف الشركة القابضة" الذي يعمل بلا كلل على تعطيل بل تقويض ركائز دولة القانون والمؤسّسات. فقد تفكّكت أوصال المنظومة المالية (مصرف لبنان والجهاز المصرفي) التي استسلمت لخروجها شبه الكامل من الأسواق المالية الإقليمية والدولية، ولانهيار العملة الوطنية بما يزيد عن 90% من قيمتها الأصلية، ولتحوّل الاقتصاد اللبناني الى التعامل نقداً وبالعملات الأجنبية، عكس المسارات البديهيّة السائدة عالمياً. وإزاء تبخّر مدّخرات اللبنانيّين وجنى أعمارهم المودعة لدى المصارف المحلّية، وقفت السلطات التشريعية والتنفيذية - المكوَّنة من القوى السياسية ذاتها- موقف المتفرّج على هذه النكبة الوطنية الكبرى، بحيث لم تتّخذ الإجراءات الوقائية المرافقة ولا العلاجات العاجلة والناجعة التي من شأنها تجنيب اللبنانيّين عواقب هذه النكبة أو الحدّ من آثارها الكارثيّة. وتبيّن آخر الإحصاءات أن مجموع الودائع المصرفية، بعد مسلسل السحوبات بالقطّارة المحتسبة بأسعار صرفٍ مجحفة للغاية، تراجع من نحو 120 مليار دولار في العام 2020 الى 86 ملياراً في يومنا هذا، ما يعني أن المصارف أطفأت في هذه الفترة ما لا يقلّ عن ثلث ديونها تجاه المودعين، الذين تشتدّ معاناتهم في غياب أيّ حلّ واقعي وعادل. ونهيب بالقضاة الشرفاء ألاّ يتوانوا عن تطبيق القانون 189 الصادر في 16/10/2020 والقانون 175 الصادر في 8/5/2020 المتعلّقين بمكافحة الفساد وإنشاء الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد، بغية إحالة مرتكبي جريمة تفجير المرفأ وجريمة مصادرة ودائع الناس الى القضاء المختصّ.
5-إن الحركة الثقافية- انطلياس، إذ تشاطر اللبنانيّين الطيّبين هذا القلق الوجودي المتفاقم تتساءل باستغراب واستهجان كبيرَيْـن كيف أنه في الوقت الذي تتفاوض ايران مع الولايات المتحدة الأميركية في سلطنة عُمان، وتتفاوض الدول الخليجية العربية مع اسرائيل في أبو ظبي وقطر، وتتفاوض المخابرات الألمانية في ضاحية بيروت الجنوبيّة مع حزب الله وتتفاوض اسرائيل مع حركة حماس عبر مصر والولايات المتحدة وفرنسا وقطر، تمتنع القوى السياسية اللبنانية أو يُمنع عليها الإلتقاء في مجلس النواب اللبناني أو في أيّ مكان آخر للتفاهم على مقوّمات إخراج البلاد من مأزقها الخانق عبر توفير الشروط اللازمة لاستعادة الحياة السياسية مسارها الدستوري الطبيعي (انتخاب رئيس للجمهورية وتشكيل حكومة إصلاحية)، ومن ثم الانتقال الى حوار أوسع وأعمق حول الإستراتيجية الدفاعية ومعالجة معضلتَيْ النازحين السورّيين واللاجئين الفلسطينيّين وإعداد رؤية عقلانيّة للنهوض المالي والإقتصادي والإجتماعي والتربوي والإداري. ويخشى اللبنانيّون أن يكون المقصود هو أن تتفاوض عن لبنان وباسمه - كما تنبىء للاسف تطورات الأيام الأخيرة- دولٌ خارجية أو تنظيمات محلّية غير ذات صفة، ما يشكّل من جديد انتهاكاً صارخاً لسيادة الدولة اللبنانية ودستورها وتعدّياً سافراً على مصالح لبنان العليا وعلى حقوق الشعب اللبناني بمختلف مكوّناته.
6-في المقابل، تشتدّ حدّة الخطابات والسلوكيّات السياسية المغذِّية للنعرات الطائفية والمذهبية والمساهِمة في إضعاف التماسك الوطني وتعريض السلم الأهلي للإهتزاز، ما يضع اللبنانيّين مجدداً أمام آفاق مستقبلية مسدودة وغير واعدة، فينمّي لدى طاقاتنا البشرية الكفوءة والشابّـة الشعور بالغربة عن هذا الوطن فـتـؤثر الاغتراب عنه. ونحن على يقين من أن القوى الحيّة في مجتمعنا سوف تبقى معبَّأة بمختلف وسائل الضغط الديموقراطي المنظّم حتى إصدار القرار الظنّي في قضية المرفأ واستعادة أموال المودعين لدى المصارف، واستكمال تشكيل السلطات الدستورية بانتخاب رئيس جديد للجمهورية. ولا ريب في أن مظلّة الوحدة الوطنية شرط لازم لنجاح أيّة تعبئة أو تحرّكات شعبيّة هادفة. من هنا إصرار حركتنا الدائم على التمسّك بهذه المظلّة الواقية، وعلى تحصين حدود لبنان البرية والبحرية بوحدتنا الوطنية الكفيلة بإحباط كلّ المخطّطات الرامية الى تمرير حلولٍ مرسومةٍ لأزمات المنطقة على حساب لبنان، دولةً وشعباً. فيا أيـّها النائمون، إستيقظوا من سُباتكم... قبل أن يغدركم القدر وأنتم نيام.