في زمنِ العولمة، تلعبُ القيودُ المفروضةُ على تأشيراتِ السَّفر (Visas) دوراً مهمًّا في تسهيلِ أو عرقلة إتمام العمليَّات التّجاريَّة والإستثماريَّة في أيّ بلدٍ كان، كما أنَّ ترتيبَ جواز السَّفر له أهميَّةٌ كبرى تكمنُ في تسهيلِ حركةِ المواطنين بينَ مختلفِ الدُّول، بالإضافةِ إلى تأثيرِه على الشُّعورِ بالإنتماءِ والفخر. فجوازُ السَّفر يعكسُ صورةَ اللُّبناني بالنّسبة لبقيَّةِ الدُّول بحيث يجبُ أن يكونَ مصدرَ اعتزازِنا، كما أنَّه يشكّلُ أداةَ جلبٍ لإستثماراتٍ عديدةٍ.
لكنَّ ترتيبَ جوازٍ السَّفر اللُّبناني لا يَمُتُّ لا بصلةٍ لمستوانا الثَّقافي والفِكري، و لا للقوَّةِ الإغترابيَّة الّتي يتحلَّى ويتفاخرُ بها لبناننا و بالتَّالي لا يعكسُ بأيَّةِ طريقةٍ الإنجازاتِ الّتي يسطّرُها اللُّبنانيُّونَ أينما حلُّوا. كما أنَّه يُمكِنُ لهذا التَّرتيبِ أن يشكّلَ رادِعاً لِمَن يرغبُ بالإستثمارِ في لبنان لأنَّه يُثيرُ الرَّيبةَ وتساؤلاتٍ عدَّةٍ عن ماهيَّةِ المخاطرَ المرتَبِطة بالبلد كي يكونَ لدينا هكذا ترتيبٌ متدنٍّ.
ساهمَ اللُّبنانيُّونَ في بناءِ بلدانٍ عدَّةٍ وكانَ لهم الفضلُ في شتَّى الميادِين. كما أنَّ لديهم قوَّةٌ إقتصاديَّةٌ لا يُستهانُ بها ودورٌ في السُّلطةِ السِّياسيَّةِ، على سبيلِ المِثال في البرازيل رئيس للجمهورية من أصل لبناني ونحتاج لتأشيرة دخول.
يحتلُّ لبنان في المنتدى الإقتصاديّ العالميّ المرتبةَ 101 من حيث القدرة التَّنافسيَّة للعام 2015-2016 بين 140 بلدٍ شملَتهم الدِّراسة أمَّا من ناحية جودةِ النّظامِ التَّعليمي فيحتلُّ المركزَ 19 عالميًّا وال 102 من حيث التَّصنيفِ الإئتِماني.
لكنَّ جوازَ سفرِه يحتلُّ المركزَ 183 من أصلِ 199 بلد بحسبِ مؤشّر Arton Capital's Passport index 2016 ،أمَّا بالنّسبةِ لمؤشّر H&P Visa Restrictions Index 2016 بالتَّعاونِ مع IATA، فهناك فقط 12 بلد ترتيبُهم أسوأ من ترتيبِ جوازِ السَّفر اللُّبناني.
ترتيبُ جواز سفر بلدان جامعة الدُّولِ العربيَّة
والمُستغرَبُ أنَّ المواطنَ يفاخرُ بلُبنانيَّتِه من جهةٍ ويقومُ بعملٍ دؤوبٍ لٍلإستحواذِ على جوازِ سفرٍ أجنبيّ من جهةٍ أخرى، ثمَّ يعودُ مُتَباهِيًا بحصولِه عليه أو على أكثرِ من جنسيَّةٍ. فكم مِنَ اللُّبنانيّينَ قامُوا بتحويلِ الأموالِ والإستثمارِ في الخارجِ بُغيَةَ الحصولِ على إقامةٍ تُمَهّدُ لهم نيلَ جوازِ سفرٍ أجنبيّ. تحسينُ ترتيبِ جوازِ السَّفرِ اللُّبناني لا يحُدُّ فقط من خروجِ هذه الأموالِ، إنَّما أيضًا من هجرةِ أبنائِهِ الكفوئين والأدمغةِ الّتي تغادِرُ بهدفِ الحصولِ على جنسيَّةٍ أخرى.
مخطِئٌ من يَظنُّ أنَّ العاملَ الأمنيَّ هو وراءَ تصنيفِ جوازِ السَّفرِ اللُّبناني بهذه المرتبةِ المتدنيَّة لأنَّ إسمَ لبنانَ لا يَرِدُ لا ضمنَ لائحةِ البلدانِ التي فيها أكبرُ نسبةٍ من القتلِ المتعمَّد، والمفارقةُ أنَّ تصنيفَ كلّ هذه الدُّول أفضل، ولا ضمنَ قائمةِ البلدانِ الَّتي فيها أعلى نسبة وفيَّات ناجمة عنِ النّزاعاتِ والحروبِ والّتي بمُعظمِها تحتلُّ مراتبَ أعلى من لبنان.
فالوضعُ الأمنيُّ في لبنان مُستَتِبٌّ، والفضلُ يعودُ للجيشِ اللُّبناني وللقوى الأمنيَّة الُّتي على الرُّغمِ من أنَّ عددَها لم يزددُ تماشياً مع الأعدادِ الضَّخمةِ للَّاجئينَ، ما زالَت تُؤَمّنُ بيئةً حاضِنَةً لسَهَرِ المواطنِينَ ولإرتيادِهمِ المطاعمَ والملاهِي اللَّيليَّة حتَّى ولو لساعاتٍ مُتأَخّرةٍ منَ اللَّيلِ وهذا ما يَعجَزُ عنه العديدُ من العواصمَ والمُدُنِ الكُبرى في بلدانٍ عدَّةٍ.
لذا فإنَّ الحكومةَ ووزارةَ الخارجيَّةِ خاصَّةً، و بالتَّنسيقِ مع الجاليَاتِ اللُّبنانيَّةِ والمجتمعِ المدنيّ مدعوُّونَ للتَّكاتُفِ من أجلِ تحسينِ ترتيبِ جواز السَّفرِ اللُّبنانيّ، فالإنتماءُ يكونُ بالفعلِ والعملِ وليسَ فقط بالكلامِ والزَّجل .
جهاد الحكيّم، إستراتيجي في أسواقِ البورصة العالميَّة.