فالبديل البعيد عن التكنولوجيا الصينية، أي شبكات الوصول اللاسلكي المفتوحة للجيل الخامس "Open RAN" والتي كانت تنادي بها أميركا على إعتبار انها آمنة تبين انها عكس ذلك وبشهادة اهل البيت.
ولكن أولاً ما هي شبكات الوصول اللاسلكي المفتوحة للجيل الخامس "Open RAN"؟
صحيح ان ما سأذكره يمكن وصفه "بالحديث التقني جداً" ولكنه ضروري لفهم ما الذي حصل بالتفاصيل.
فقد سعت أمريكا ولا تزال بكل ما تملك من قوة، لمنع الشركات التقنية الصينية من الهيمنة على سوق الجيل الخامس "بحجة" انها غير آمنة، لكن ما حصل هو أن واشنطن فشلت في تقديم بدائل لشبكات الجيل الخامس، بدلًا من الشبكات الصينية، حيث قامت بتبني فكرة الإعتماد على شبكات الوصول اللاسلكي المفتوحة للجيل الخامس "Open RAN" ودعت شركات الإتصالات في العالم الى فعل الأمر نفسه.
شبكات الـ Open RAN ليست بالشبكات الجديدة بل ان عمرها يفوق الـ 10 سنوات، ورغم انها لم تحقق أي نجاح تجاري إلا انها واحدة من أكثر المفاهيم التكنولوجية إثارة للإعجاب نظراً لفوائدها العديدة، فهي تقدم خيارات إدارة شبكة أكبر بتكاليف أقل، كما انها توفّر نظاماً تشغيلياً مفتوحاً وأكثر تنوعاً لموردي التجهيزات، حيث يمكن أن تؤدي البيئة المفتوحة إلى مزيد من الابتكار عن طريق تقليل الحواجز أمام الدخول للشبكة.
ومن خلال دعمها لتقنية للجيل الخامس "5G" تستطيع شبكات الوصول اللاسلكي المفتوحة "Open RAN" توفير المزيد من الخيارات المتنوعة للمشغلين.
- الخطأ القاتل
اذاً تُعَدُّ شبكات الـ Open RAN أحد أكثر المفاهيم التقنية إثارة للإعجاب، ولكن أي خطأ يتم إرتكابه من قبل مُشغلي هذا النوع من الشبكات، سيكون ثمنه قاتلاً وهذا ما بدأ يتجلى على أرض الواقع "فسبحة" التخلي عن Open RAN بدأت تكبر والإعتراضات بدأت تظهر في الأفق، وتبيّن انها ليست البديل الآمن.
الغريب في الأمر أن نقطة ضعف هذه الشبكات، تكمن في قوتها أي "البيئة المفتوحة" وتحديداً في لامركزية الوظائف التي تتمتع بها الشبكة، ما يعطي المهاجمين قدرة أكبر على التحرك والإختراق.
وتؤدي "البيئة المفتوحة" التي تحوي بائعي تجهيزات ومشغلين متعددين، إلى تعقيد التشغيل والصيانة وتراجع درجة تكامل معدات الشبكة. فإذا حدثت مشكلة، قد لا يكون واضحاً في البداية من هو البائع الذي سيحتاج الى إتخاذ القرار بمعالجتها، أما النقطة الثانية فتكمن في صعوبة تحديد مكان العطل في الشبكة.
وفي هذا السياق، فإن تعدد بائعي التجهيزات، يعني بشكل مباشر تفاوت مستويات الأمان في شبكات الـ Open RAN، ما يؤدي إلى سهولة الهجوم على المكونات، ويعرّض كامل شبكات الـ Open RAN للإختراق وليس فقط الشبكة المخترقة. وهذا الأمر يستدعي من البائعين والمشغلين المتعددين، وضع خطة إستباقية موحّدة لإتخاذ قرار في مثل هذه الحالات، وهو الأمر الذي لا يمكن تحقيقه أقله في الوقت الراهن.
- عوائق تشغيلية
تقوم شركة cellcom حالياً بتفكيك أول شبكة اتصالات Open RAN في ويسكونسن في الولايات المتحدة الأميركية، مشيرة الى ان تجربتها للشبكة أظهرت انها لا تتمتع بالكفاءة من حيث التكلفة إذا لم يتم تحقيق وفورات في الحجم. ولذلك اضطرت إلى العودة إلى شبكات RAN التقليدية.
ويعني هذا الأمر ان المشغلين الصغار ومتوسطي الحجم سيواجهون تحديات مالية كبيرة تعيق قدرتهم على تشغيل شبكات Open RAN، فمثلاً معظم المشغلين في منطقة الشرق الأوسط ينتمون الى فئة "الصغار ومتوسطي الحجم" ما يعني ان هؤلاء سيواجهون تحديات مالية كبيرة في حال تبنيهم لشبكات الـ Open RAN.
مع العلم انه كلما كان المشغل أصغر، كلما زادت تحديات الصيانة وكلفة التشغيل، كما ان استهلاك شبكات الـ Open RAN للطاقة هو أعلى بحوالي 40٪ مقارنة مع شبكات RAN التقليدية.
وبالطبع فإن تبني شبكات الـ Open RAN في منطقة الشرق الأوسط، سيتسبب في عدم إستقرار وعدم أمان تقنية الجيل الخامس 5G وسيقوض قدرة الدول على التحوّل نحو الاقتصاد الرقمي.
- الضربات تتوالى من أوروبا الى أمريكا
مع توقعات بتسجيل 276 مليون اتصال 5G بحلول عام 2025، كان من المفترض ان تكون منطقة اليورو سوقاً طبيعية لشبكات الـ Open RAN، إلا ان تقريراً جديداً صادر عن المفوضية الأوروبية ووكالة الاتحاد الأوروبي للأمن السيبراني، قال ان مواصفات شبكات الـ Open RAN لا تزال بحاجة إلى بلوغ مرحلة النضج، مشيراً الى ان التعقيدات التي تعاني منها هذه الشبكات يمكن أن تؤدي إلى ازدياد المخاطر الأمنية.
ودعا التقرير الى اتباع نهج حذر للانتقال إلى هذا التصميم الجديد، موصياً بتنفيذ عملية الإنتقال في الوقت المناسب وبعد توفير الموارد الكافية لتقييم المخاطر بشكل مسبق.
بدوره أصدر مكتب أمن المعلومات الفيدرالي الألماني تقريراً حول شبكات الـ Open RAN، خلص إلى أن مواصفات هذه الشبكات غير كافية الأداء، وليست موجهة لمبدأ الخصوصية والأمان، مما يعرض المستخدمين للخطر.
وعلى صعيد آخر عارضت شركة الإتصالات الأمريكية Verizon دفع حكومة البلاد نحو شبكات Open RAN وحثت بشدة على الحياد التكنولوجي. بدوره أثار نيفيل راي، رئيس التكنولوجيا في شركة T-Mobile الأمريكية، الشكوك حول نضج أنظمة شبكات الـ Open RAN وقدرتها على توفير التكاليف الموعودة، طارحاً عدة تسأولات رئيسية حول تكامل النظام وطريقة عمله.
- الرهان الفاشل
في ظل التنافس التكنولوجي الذي يشهده العالم، وبهدف إبعاد الشركات العالمية عن التكنولوجيا الصينية، وضعت الولايات المتحدة الأميركية ثقلها للتسويق لشبكات الوصول اللاسلكي المفتوحة للجيل الخامس "Open RAN" على انها الخيار الحيادي الآمن والموثوق.
هذا الخيار الحيادي ظاهرياً والأميركي قلباً وقالباً، تبين انه غير جاهز بعد ويحتاج للكثير من التطوير والعمل المشترك لكي يصبح آمناً وفعالاً وقابلاً للتبني حتى من قبل الشركات الأمريكية نفسها.
ويرى الخبراء ان شبكات الوصول اللاسلكي المفتوحة "Open RAN" ستكون رهاناً فاشلاً للـ 5G، ولكن خياراً مناسباً لتقنية الـ 6G، إلا ان الأسئلة الأبرز التي تُطرح حالياً هي هل ستستمر أمريكا بالضغط لإستخدام شبكات الـ Open RAN لو على حساب أمن وأمان المستخدمين؟ هل ستقبل الدول والشركات بإستخدام تقنية غير جاهزة بعد وتُعرض أمن المستخدمين للخطر في ظل تنامي الهجمات السيبيرانية؟
قد تبدو الإجابة على هذه الأسئلة صعبة بعض الشيء حالياً، ولكن ما هو واضح في الوضع الراهن هو التقدم الذي حقتته التكنولوجيا الصينية في هذا المجال وعدم قدرة الآخرين على اللحاق بها.
يمكنكم متابعة صفحة موقع Business Echoes على إنستغرام من خلال الضغط هنا.