حقّق لبنان انجازا مصرفيا جديدا بعد انتخاب امين سرّ هيئة التحقيق الخاصة في مصرف لبنان عبد الحفيظ منصور نائباً لرئيس مجموعة اغمونت لوحدات الإخبار المالي في العالم. ويُعدّ الامر مكسباً هاماً للبنان حيث أن وجوده في هذا الموقع الهام يساعد في الدفاع عن مصالحه بشكل أفضل، فلبنان حسب منصور بلد صغير، وإن مردود التواجد في هذه الامكنة هام جداً لتأمين المصالح العامة كما الخاصة.
تحديات المرحلة الراهنة
إلا ان هذا الانجاز الذي حققه لبنان لن يُكتمل إلا بحلّ عدة عقبات وعوائق تواجه تقدّم الاقتصاد اللبناني في المرحلة الراهنة، كالفراغ الرئاسي وشلل مجلس النواب وتعطيل مؤسسات الدولة والوضع الامني والسياسي، وغياب التشريعات المطلوبة لمواكبة المجتمع الدولي.
وابرز هذه التشريعات المطلوبة بحسب امين سرّ هيئة التحقيق الخاصة في مصرف لبنان عبد الحفيظ منصور ، في حوار خاص مع موقع Business Echoes لأخبار الاقتصاد، هي تلك المتعلقة بقوانين مكافحة تبييض الاموال وتمويل الإرهاب.
ويقول منصور ان مكافحة تبييض الاموال وتموبل الإرهاب يتم ضبطها في العالم من خلال منظومة دولية بدأت عام 1989 ،عندما أنشأت الدول الكبرى مجموعة العمل المالي FATF، وكلّفتها وضع معايير لمكافحة تبييض الاموال كي تعتمدها الدول. وبالفعل، قامت مجموعة العمل المالي بإصدار 40 معيارا لهذا الغرض يتوجب على كل دولة ان تطبقها عن طريق إقرار التشريعات المحلية، وهذا موضوع دقيق جداً نظراً لقيام مجموعة العمل المالي بمراقبة كفاية تلك التشريعات ومدى فعالية تطبيقها. ويضيف منصور في حديثه لبزنس إيكوز، ان المحور الاساسي في المعايير المذكورة يتعلق بضرورة انشاء وحدة اخبار مالي في كل دولة، وهي وحدة ادارية مركزية تتمتع بالشخصية المعنوية ومستقلة في عملها ، مهمتها ان ترصد المعلومات المتعلقة بجرائم تبييض الأموال وتمويل الإرهاب وتتبادلها مع نظيراتها، وتتلقى البلاغات عن العمليات المشتبه بأنها تنطوي على عمليات تبييض أموال وتمويل إرهاب وتدرسها وتحلّلها وتجمع أية معلومات اضافية متعلقة بها، و بنتيجة الدراسة تتخذ القرارت اللازمة وأهمها تجميد الأموال ، وفي هذه الحال تحيل الملف الى النيابة العامة التمييزية لمتابعة الإجراءات القضائية اللازمة، وفي حال لم تتعزز الشبهة بنتيجة الدراسة فيتم حفظ الملف.
151 وحدة إخبار مالي
وحسب منصور هناك اليوم في العالم 151 وحدة اخبار مالي، جميعها منضوية ضمن مجموعة اغمونت، تجتمع مرتين في السنة، وكان آخر اجتماع لها في يونيو حزيران انتخبت خلاله رئيساً ونائبي رئيس.
تسارع بخطى المكافحة
ويشرح منصور ان المنظومة الدولية لمكافحة تبييض الأموال بدأت منذ 25 عاماً (اي عام 1990) ، مشيرا الى انها فترة زمنية قصيرة قياساً بتاريخ ظهور وانتشار جرائم تبييض الأموال التي سبقت إنشاء المنظومة بعقود من الزمن، ويعتبر ان هناك تسارعاً في خطوات المكافحة وفي الاطر التشريعية والدولية الضابطة لها، ومنها إنشاء وحدات الاخبار المالي في الدول التي لم تنشئ لتاريخه وحدات لديها، وتتبادل وحدات الاخبار المالي المعلومات فيما بينها اليوم بشكل أكثر فاعلية عما مضى وتسجل تقدما ملحوظا في الجهود الدولية لمكافحة تبييض الاموال وتمويل الإرهاب.
وحيث ان مبيضي الاموال يطوّرون أساليبهم الاجرامية بشكل مستمر بحيث أننا نرى أنه في العديد من الحالات عندما تتوصل المنظومة الدولية إلى تحديد بعض أنماط تبييض الأموال يسارع المجرمون الى ابتكار آليات وأساليب جديدة ، مما يحتّم على منظومة المكافحة أن تكون على المستوى المطلوب من الوعي والفعالية في متابعة واكتشاف تلك الأنماط الجديدة ومكافحتها والتعامل معها كما يجب.
عدد البلاغات في تزايد
وفيما يتعلق بالبلاغات المحلية والواردة دوليا ، يقول منصور انها تشهد تزايداً لافتاً الى أن نسبة زيادتها في العام 2015 حتى تاريخه، بلغت 30 في المئة بالنسبة لنفس الفترة الزمنية من العام السابق. وأضاف قائلاً انه ضمن هذه النسبة يتبيّن ان البلاغات الدولية او طلبات المساعدة الدولية الواردة الى هيئة التحقيق الخاصة في مصرف لبنان، قد تضاعفت وذلك هو نتيجة لفعالية المنظومة الدولية و للتعاون الدولي بين الدول في هذا الشأن.
ماذا يعني ذلك؟
برأي منصور هذا لا يعني زيادة العمليات المشبوهة بل زيادة في الفعالية والخبرة لدى النظام المالي اللبناني ونتيجة للدور الفعال الذي تقوم به هيئة التحقيق الخاصة في مصرف لبنان عبر المراقبة والتحقق من تطبيق الإجراءات من قبل المصارف والمؤسسات المالية والتعاون الحاصل معها لضبط ومراقبة العمليات ومعالجتها بالشكل الملائم.
لبنان السبّاق تأخر
بالعودة الى المعايير الدولية التي وضعتها مجموعة العمل المالي، فقد كان لبنان سبّاقاً في المنطقة لجهة التطبيق، حيث أنه في العام 2001 أقرّ القانون رقم 318 المتعلق بمكافحة تبييض الاموال، وكان مبادراً في المنطقة في إنشاء منظمة اقليمية ضمن مجموعة العمل المالي وهي مينافاتف التي انطلقت في العام 2006 وكان لبنان أول رئيس لها.
لقد طرأت على المعايير الدولية التي صدرت في نسختها الاولى عام 1990،عدة تعديلات كان آخرها في العام 2012، مما يستوجب على الدول الأعضاء تعديل تشريعاتها تماشياً مع هذه المعايير، إلاّ أنّه للأسف هذا ما لم يقم لبنان به منذ العام 2001 ، ولم يعدل التشريع في لبنان واصبح متأخراً عن الدول الاخرى في المنطقة و العالم في هذا الشأن، ويقول منصور ان هذا التأخير يضاف الى تأخير في اقرار التشريعات الاخرى في لبنان نتيجة الاوضاع المحلية الراهنة.
وقال منصور إن كل دولة تخضع للتقييم مرة كل اربع سنوات من أجل التأكد من مدى اكتمال تشريعاتها ومدى فعاليتها. و يجرى هذا التقييم من قبل فريق أقليمي أو دولي يضم ممثلي المنظمات الدولية يقيم لاكثر من اسبوعين في البلد المعني حيث يدرس التشريعات والقوانين المرتبطة بمكافحة تبييض الأموال وهو فريق يضم قضاة ومحامين ومراقبين ماليين ورجال يعملون في مؤسسات إنفاذ القانون. وقد خضع لبنان لهذا التقييم آخر مرة في العام 2009 ، واعتبر ملتزماً بمعظم المعايير، الأ أن تقرير التقييم أظهر العديد من الثغرات وقد أوصى بمعالجتها. بالإضافة الى ذلك، فإن التعديلات التي طرأت على المعايير الدولية في نسختها الاخيرة عام 2012 زادت من عدد هذه الثغرات، وهنا يتخوّف منصور من وضع لبنان الحساس جداً اليوم وهذا ما يتطلب جدية في المعالجة لتعديل التشريعات لتشمل كل هذه الثغرات ويجب أن يحصل ذلك في أقرب فرصة كي لا يتعرض لبنان لأي إجراء أو لعقوبات من قبل المنظومة الدولية.
لقاءات مع الجهات السياسية
يذكِّر أمين سر هيئة التحقيق الخاصة في مصرف لبنان عبد الحفيظ منصور بالجهود المكثفة والمراجعات التي قامت بها الهيئة، ولا تزال، مع كافة الجهات المعنية بهذا الشأن مشيراً الى ان القيادات السياسية والمالية والرقابية تعي دقة هذه المسألة، ويأمل أن تُقرّ هذه التعديلات والتشريعات المطلوبة في أقرب فرصة. أما هذه التشريعات فهي :
قانون 318 / 2001 وتعديلاته
قانون نقل الاموال عبر الحدود
قانون تبادل المعلومات المتعلقة بالتهرب الضريبي
انضمام لبنان والمصادقة على اتفاقية قمع الارهاب التي اُقرّت في 1999
تبعات سلبية على لبنان
اذاً إن الامر ليس جيداً كما أن تداعيات التأخير بإقرار التشريعات سوف تكون لها نتائج سلبية.
ويشدد منصورعلى وجوب ان تُعطى لهذا الامر الأولوية، لأن مراقبي مجموعة العمل المالي الدوليين عندما يزورون لبنان ويتبين لهم انه غير ملتزم بالمعايير الدولية، سوف يكون هناك تبعات ينتج عنها فرض عقوبات، وقد يتم تصنيفه على لوائح الدول الغير ملتزمة جزئياً او الدول الغير ملتزمة (اللائحة السوداء) وذلك حسب الثغرات التي تظهر نتيجةً لعمل المراقبين وبسبب التوصيات التي لم يلتزم بها.
إلاّ أن المقلق في الموضوع حسب منصور، أن الدول الغير ملتزمة تحال الى اللائحة السوداء مثل كوريا الشمالية، وايران، وكوبا، وعندما يتم وضع دولة على اللائحة السوداء فهناك خطر كبير يهددها وهو انقطاعها عن النظام المصرفي والمالي الدولي، وهذا ما لا يتمناه أحد، لافتاً إلى أن جميع السياسيين والمصرفيين في لبنان مدركون لأهمية هذا الأمر وبالتالي نأمل أن تقر التعديلات التشريعية في أقرب فرصة.
اذاً، إن مشكلة أخرى تواجه لبنان نتيجة شلل مؤسسات الدولة وتعطيلها، فهل يتحرك مجلس النواب ويسرع بإقرار هذه التشريعات خصوصاً أنه حسب منصور هناك وعي لدى الطبقة السياسية لأهمية الأمر؟
اجرى الحوار باسل الخطيب
رئيس تحرير موقع Business Echoes
[email protected]
موقع Business Echoes يتمنى على المواقع الزميلة عدم نشر او اعادة صياغة الاخبار الخاصة.