في خطوة أثارت الكثير من النقاشات الاقتصادية، أقرّ مجلس النواب اللبناني، في جلسته التشريعية يوم الخميس، مشروع القانون القاضي بتعديل المواد من 3 إلى 8 من قانون النقد والتسليف. يسمح هذا التعديل لمصرف لبنان بإصدار أوراق نقدية من فئتي 500 ألف ومليون ليرة لبنانية، مع التشديد على ضرورة الحفاظ على حجم الكتلة النقدية المتداولة وعدم زيادتها.
ويأتي هذا القرار بناءً على اقتراح قدّمه النائب زياد حواط، عضو تكتل "الجمهورية القوية"، الذي برر الحاجة إلى إصدار فئات نقدية أكبر بهدف تسهيل التعامل بالليرة اللبنانية والحدّ من الاتجاه المتزايد نحو الدولرة في ظل الانهيار الاقتصادي الذي يعصف بالبلاد.
وفي تعليق على هذا التعديل، أشار الخبير المصرفي والاقتصادي بهيج الخطيب في حديث لموقع "vdlnews" إلى أن "أي دولة تتعرض عملتها لانهيار دراماتيكي مثلما حدث في لبنان، تلجأ بالطبع إلى طباعة فئات نقدية أعلى"، موضحًا أن ما حدث من طباعة أوراق نقدية من فئة مئة ألف ليرة سابقًا قد أصبح غير مجدٍ في ظل التضخم الكبير الذي شهدته الليرة اللبنانية. وأضاف أن فئات الخمسمائة ألف والمليون ليرة تشكل "حلًا طبيعيًا" لتسهيل تداول العملة النقدية، معتبرًا أن هذا القرار هو "نتيجة للانهيار وليس سببًا له".
وفي السياق نفسه، أكد الخطيب أن زيادة فئات العملة قد تُسهم في تسهيل التداول، إذ ستمنح المواطنين القدرة على استخدام أوراق نقدية من فئات أكبر، وهو ما من شأنه أن يُقلل من الاتجاه نحو استخدام الدولار في المعاملات اليومية.
رغم ذلك، يشير الخطيب إلى أن الحكومة اللبنانية لا تقدم الضمانات الكافية للطمأنة بشأن استقرار الليرة. فعلى الرغم من اتخاذ بعض الإجراءات مثل تعديل فئات النقد، يرى الخطيب أن هذه الخطوة ليست كافية ما لم تُتبع بخطط إصلاحية حقيقية لمكافحة التضخم وتحسين سعر صرف الليرة. وأضاف أنه لا يمكن للبنانيين أن يطمئنوا طالما لم تُتخذ خطوات جدية لمعالجة أزمات الاقتصاد اللبناني.
من جهة أخرى، يعتقد الخطيب أن توقيت اتخاذ هذه الخطوة "مأخر"، مشيرًا إلى أن من الأفضل أن تكون هناك سياسة اقتصادية شاملة تتضمن تخفيض الأصفار عن العملة (حذف ثلاثة أصفار) بدلاً من الاكتفاء بإصدار فئات نقدية أكبر. ويُشير إلى أن حذف الأصفار قد يساهم في تحسين تداول العملة وتخفيف العبء النفسي على المواطنين الذين أصبحوا يواجهون صعوبة في التعامل مع الأوراق النقدية الصغيرة، مثل فئة الألف ليرة التي أصبحت غير ذات قيمة.
ومع ذلك، أشار الخطيب إلى أن سحب العملات الصغيرة من السوق قد يكون خطوة مهمة نحو تقليص الكتلة النقدية المتداولة، خصوصًا أن تكلفة طباعة هذه الأوراق النقدية الصغيرة أصبحت مرتفعة للغاية، وتفوق قيمتها الفعلية. وأضاف أن فئات العملة الكبيرة قد تُسهم في الحد من التضخم إذا تم سحب العملات الصغيرة تدريجيًا.
وعلى الرغم من أنه لا يعتقد أن هذه الخطوة ستؤدي إلى تغييرات جذرية في سعر صرف الدولار، شدد الخطيب على أن الحلول طويلة المدى تكمن في تنفيذ إصلاحات اقتصادية حقيقية على مختلف الأصعدة، بما في ذلك في السياسة المالية والنقدية. وقال: "لا يمكن أن نتوقع انخفاضًا في سعر صرف الدولار ما لم نُنفذ إصلاحات جذرية على مستوى الحكومة ومصرف لبنان". وأشار إلى أن هذه الإصلاحات يجب أن تشمل تحقيق فوائض في الموازنة واستخدام هذه الفوائض لسداد الديون التي تراكمت على الدولة اللبنانية.
فيما يتعلق بالسياسات النقدية المستقبلية، يعتقد الخطيب أن التعديلات في قانون النقد والتسليف يمكن أن تشكّل جزءًا من مجموعة من التوجهات النقدية الجديدة التي يهدف مصرف لبنان إلى تنفيذها. ومع ذلك، فإنه لا يرى أن هذه الخطوة مرتبطة بمؤشرات سياسية داخلية أو بتوجهات حكومية خاصة، بل يراها مجرد استجابة للواقع الاقتصادي الصعب الذي يعيشه لبنان.
في الختام، يبقى السؤال الأبرز حول ما إذا كان إصدار فئات نقدية أكبر سيُسهم في استقرار العملة اللبنانية أم لا. وبينما قد يكون هذا التعديل خطوة إيجابية لتسهيل المعاملات اليومية، فإن الاستقرار الفعلي لليرة اللبنانية لا يتحقق إلا من خلال إصلاحات شاملة تبدأ من إعادة بناء الثقة في النظام الاقتصادي والمصرفي اللبناني.
نارمين مرعب - vdlnews