ووسط هذه التحديات التي تعتبر من الأشد في تاريخ البلاد، يجد الرئيس اللبناني المنتخب نفسه أمام مسؤولية جسيمة لوضع لبنان مجدداً على طريق التعافي، حيث سيكون عليه فتح باب الإصلاحات الاقتصادية على مصرعيه، وإطلاق مسار يعيد بناء الثقة المحلية والدولية بمستقبل البلاد، فمن دون هذه الإصلاحات، سيبقى التعافي الاقتصادي في لبنان أملاً بعيد المنال.
يُعد القطاع المصرفي حجر الأساس لأي خطة إنقاذ اقتصادي في لبنان، فهو من أبرز الأسباب وراء الأزمة المالية التي تعصف بالبلاد، حيث من الضروري الشروع في إصلاحات جذرية تشمل إعادة هيكلة البنوك، ووضع آليات فعّالة لحماية حقوق المودعين.
إصلاح قطاع الكهرباء
قطاع الكهرباء هو أحد أكبر مسببات استنزاف الموارد العامة في لبنان، إذ يستنزف هذا القطاع جزءاً كبيراً من أموال الدولة دون تحقيق أي تحسن ملموس في جودة الخدمات، لذلك فإن خطط الإصلاح يجب أن تُركّز على تحديث البنية التحتية للكهرباء، وتحسين كفاءة الإنتاج والتوزيع.
مكافحة الفساد
يُعتبر الفساد المتفشي في مؤسسات الدولة في لبنان من أبرز العقبات أمام أي خطة إصلاحية، حيث يؤثر هذا الفساد بشكل مباشر، على الأداء الحكومي ويُضعف ثقة المواطنين، والمجتمع الدولي بالدولة، لذلك لا يمكن تحقيق أي استقرار اقتصادي في لبنان من دون مكافحة الفساد بشكل جاد، ووضع حد للزبائنية التي تعيق الإصلاح.
تقليص العجز المالي
العجز المالي الكبير الذي يعاني منه لبنان يُعتبر تحدياً أساسياً للاقتصاد، إذ يتطلب التصدي له قرارات صعبة وغير شعبية، مثل إعادة النظر في النظام الضريبي وزيادة الضرائب بشكل عادل ومدروس، فهذه الخطوة قد تكون ضرورية لتوفير مصادر دخل جديدة للدولة وتقليص حجم الدين العام.
الدعم العربي
في ظل الأزمات المستمرة، يبقى الدعم العربي عاملاً حاسماً لتحقيق الاستقرار الاقتصادي، حيث تلعب دول الخليج العربي خصوصاً دوراً استراتيجياً في توفير التمويل والمساعدات التنموية للدول، ومن هنا، يجب على الرئيس جوزيف عون تعزيز العلاقات مع الدول العربية وإبراز جدية لبنان في تنفيذ الإصلاحات للحصول على دعم اقتصادي مستدام.
إعادة بناء الثقة الدولية
إلى جانب الدعم العربي، لا يمكن التغاضي عن أهمية توطيد لبنان للعلاقات مع المجتمع الدولي، وخصوصاً مع المؤسسات المالية العالمية مثل صندوق النقد الدولي والبنك الدولي، حيث يتطلب ذلك وضع خطة إصلاحية شاملة تتضمن إجراءات ملموسة تُظهر التزام لبنان بالمعايير المالية الدولية وتعزز الشفافية والمساءلة.
لبنان أمام فرصة ذهبية
ويقول رئيس تجمع رجال وسيدات الأعمال اللبناني الصيني علي محمود العبد الله، في حديث لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية"، إن انتخاب العماد جوزيف عون يشكل فرصة ذهبية لاتخاذ مجموعة من الخطوات، بهدف إطلاق مرحلة تنفيذ الاصلاحات التي طال انتظارها، فالإصلاحات الملحة اليوم مطلوبة في القطاع المالي والمصرفي، ولا تنتهي عند اقرار قانون الكابيتال كونترول، وتعزيز الحوكمة ومكافحة الفساد وتعزيز الشفافية، مشيراً إلى أن انتخاب الرئيس على أهميته، لا يكفي لاستعادة لبنان عافيته الاقتصادية، إذ أن كل المؤسسات الحكومية والقوى السياسية، مدعوة اليوم لتوفير دعم شامل لإنجاح العهد الجديد للرئيس.
وفقاً لرئيس مجموعة أماكو الصناعية علي محمود العبد الله، فقد كان واضحاً خلال العامين الماضيين أن عدم وجود رئيس للجمهورية، قوّض حوار لبنان مع المؤسسات الدولية من جهة، ومع دول العالم من جهة أخرى، في حين أن الحكومة الحالية هي حكومة تصريف أعمال، ولم تكن قادرة على اتخاذ قرارات حاسمة في العديد من الملفات الحساسة، نظراً لالتزامها باتخاذ القرارات الضرورية فقط، ولهذا، فإن انتخاب الرئيس جوزيف عون، يمثل فرصة لإطلاق مشروع اقتصادي متكامل، ويسرّع تنفيذ الإصلاحات التي طلبها صندوق النقد والدول المانحة، فالانتخابات الرئاسية التي حصلت ستساهم في إعادة الاستقرار السياسي وانتظام عمل المؤسسات الحكومية التي تعاني من ترهل خطير، فضلاً عن تشكيل حكومة جديدة تضع بنود خطاب الرئيس المنتخب في مجلس النواب كأساس لانطلاق مرحلة التعافي.
أولويات لبنان الاقتصادية
وشدد العبد الله على أن صندوق النقد الدولي والمجتمع الدولي، طلبا من لبنان تنفيذ مجموعة من الإصلاحات الاقتصادية والمالية للمساعدة في إخراجه من أزمته المزمنة، وربما يمكن ترتيب الأولويات الاقتصادية التي سيعمل على تنفيذها الرئيس الجديد، على الشكل التالي:
أولاً، إصلاح النظام المالي والمصرفي على وجه السرعة، لكن لا يمكن المضي قدماً في هذه الإصلاحات سوى من خلال إعادة هيكلة القطاع المصرفي، والأهم هو ضمان حماية الودائع وتوزيع الخسائر بشكل عادل. كذلك، لا يمكن وضع خطة متكاملة من دون إجراء الإصلاحات الملحّة في مصرف لبنان، بهدف تعزيز الشفافية وضمان الاستقلالية الحقيقية في عمل المصرف المركزي، وضبط السياسات النقدية. وسيشكل توحيد سعر الصرف، خطوة لا مهرب منها لانتظام عمل السوق والمؤسسات بعد مرحلة تعدد أسعار الصرف، يليها طبعا اعتماد سعر مرن لأسعار الصرف.
ثانياً، إصلاح المالية العامة من خلال إعادة هيكلة الدين العام، وتخفيف أعباء هذا الدين من خلال مفاوضات جدية ومسؤولة مع الدائنين واعتماد خطة مالية طويلة الأمد لإدارة الدين. ومن الضروري أن يترافق ذلك مع إعادة النظر بوضع جباية الضرائب ومكافحة التهرّب الضريبي. ولا شك أن خفض إنفاق الدولة العشوائي أو غير الضروري، سيساهم بشكل فعّال في تعافي المالية العامة، خصوصا من خلال وقف الهدر في المؤسسات العامة. وهنا يبرز ملف قطاع الطاقة الذي تسبب للمالية العامة بإرهاق كبير، حتى قبل الانهيار الاقتصادي في العام 2019. وسيساهم إصلاح قطاع الكهرباء بتقليص العجز في الميزانية، وسيفتح الباب أمام زيادة التغذية بالطاقة الكهربائية، كما سيشجّع القطاع الخاص على الاستثمار في هذا القطاع وغيره من القطاعات.
ثالثا، تساهم الحوكمة والشفافية في المالية العامة وإقرار قوانين صارمة لمكافحة الفساد بالتزامن مع إقرار الكابيتال كونترول وتعزيز استقلالية القضاء، في تمهيد الطريق أمام مرحلة جديدة تتيح وضع استراتيجية جديدة لتحديد هوية لبنان الاقتصادية ودوره الاقتصادي على المستويين الإقليمي والدولي. ونحن نعلم جيداً، أن القطاع الخاص لن يرصد استثمارات ويُطلق مشاريع كبرى من دون هذه الإصلاحات، وتحسين مناخ الاستثمار في لبنان.
واعتبر العبد الله أن انتخاب رئيس للجمهورية في لبنان، هو إشارة البداية لرحلة شاقة وطويلة لكن واعدة وضرورية، تتيح لا إعادة هيكلة المصارف فحسب، بل توفير الاستقرار السياسي والأمني وتجاوز الانقسامات وإعادة إعمار ما دمرته الحرب الإسرائيلية ضد لبنان، كما ستتيح هذه المرحلة إعادة تفعيل المؤسسات وتسريع اتخاذ القرارات، ورسم هوية اقتصادية لبلدنا تتناسب وقدراته الهائلة، وتعزيز الثقة المحلية والدولية.