وعلى الرغم من توقّع هذا الإرتفاع ، إلاّ أنّ سرعة وتيرته الصاروخية أتت صادمة حيث استغل المضاربون والمتلاعبون انهماك اللبنانيين في فرز الأصوات وتعداد أرقام النواب الفائزين من أجل تحقيق مآربهم والوصول إلى أهدافهم المشبوهة. فسعر صرف الدولار الذي حافظ على استقرار نسبي إلى حين تمرير العملية الانتخابية، أعلن ليل الأحد- الإثنين نفاذ صبره مشرّعاً الباب أمام ارتفاعات غير مبررة وتكهنات وتساؤلات كثيرة حول المنحى الذي سوف يسير عليه في مرحلة ما بعد الانتخابات.
ومع انتهاء معركة الاستحقاق النيابي، تندلع المعارك السياسية وأولى جولاتها المنتظرة هي انتخاب رئيس لمجلس النواب تليها مشاورات التكليف وعمليّة تأليف الحكومة الجديدة. هذا وتبرز مخاوف جدية من عودة شبح التعطيل والشلل والفراغ السياسي وعدم القدرة على مواجهة التحديات الصعبة وفي مقدّمتها تلك المتعلّقة في كيفيّة معالجة تفلّت سعر صرف الدولار وانعكاسه على حياة المواطنين اليومية؛ لا سيّما مع وصول أفرقاء متصارعة وغير متجانسة إلى سدّة البرلمان واشتداد حدة التصعيد والتوتر في الخطاب السياسي وتداعيات كل ذلك على أداء المجلس النيابي الذي تنتظره ملفّات مرحّلة وقوانين عالقة باتت تحتاج إلى قرارات سريعة لاستكمال السير على الخطى الاصلاحية اللازمة والاتفاق العاجل مع صندوق النقد الدولي لعودة النمو والانتعاش الاقتصادي.
مما لا شك فيه أنّ المرحلة القادمة تتطلّب بذل جهود جبّارة من أجل إنجاح هذين الاستحقاقين الدستوريين وتمهيد الطريق أمام إجراء الاستحقاق الرئاسي الحاسم في تشرين المقبل، إذ أنّ الفشل في إنجازها يعني وضع لبنان على حافة المجهول والعودة إلى ما دون نقطة الصفر. على الصعيد السياسي، تبدو الصورة عاصفة ومُبهمة تحمل معها الكثير من المطبّات والتعقيدات المحتملة التي من شأنها أن تؤثّر سلباً على الواقع الاقتصادي والاجتماعي المتهاوي وأن تعمّق من معاناة الليرة اللبنانية ومآسي اللبنانيين. فأيّ صدام أو اضطراب سياسي سوف يؤدي حتماً إلى استئناف المسار التصاعدي للدولار حيث ستُصيب تردداته الكارثية مختلف الجوانب الحياتية، لِتلوح مجدداً في الأفق أزمات طحين وغذاء ودواء ومحروقات وكهرباء وغلاء فاحش لكافة أسعار السلع الحيوية والاساسيّة.
إذاً، طُويت صفحة الانتخابات النيابية ودخل لبنان في دوامة جديدة من الغموض والضبابية، فتبدّلت فيها التوازنات والاصطفافات السياسية وتركت البلاد أمام احتمالات مفتوحة وسيناريوهات متعدّدة ليبقى مصير الدولار معلّقاً في يد الطبقة السياسية التي يتوجّب عليها اليوم رمي النزاعات والخلافات جانباً والاتفاق على العمل سويّاً واتخاذ التدابير الصّارمة من أجل استعادة الثقة في العملة الوطنيّة والحدّ من الإنفلات في السوق السوداء. فأيّة إجراءات سواء كانت اقتصادية، مالية أو نقديّة لن تُفلح في لجم سعر الصرف ما لم تكن مصحوبةً بتوافق سياسي قادر على وقف نزيف الليرة اللبنانية وضبط إيقاع سعر الصرف والسيطرة على جنون الدولار الذي كان الغالب الأكبر في هذه الانتخابات.