سوليكا علاء الدين
كل شيء في لبنان ينهار بسرعة فائقة تحت ضغط سعر صرف الدولار مقابل الليرة اللبنانية في السوق السوداء، الذي يواصل تحليقه الجنوني بلا ضوابط وقيود متخطياً حاجز الـ 20 ألف ليرة للدولار الواحد، في ظل أزمة إقتصادية تنذر بمزيد من الهبوط والتدهور في العملة الوطنية مع ما تعكسه من تداعيات وخيمة على المواطن اللبناني وقدرته الشرائية مع غياب أي إجراءات جدية للحلول الإقتصادية والمالية والسياسية التي من شأنها الحد من كابوس انهيار الليرة.
من المتعارف عليه في علم الإقتصاد، أن سعر الصرف يتحدد وبشكل أساسي وفق آليات السوق أي تبعاً للعرض والطلب، إلا أن الأمر في لبنان لا يسير على هذا المنوال، فعملية تحديد العرض والطلب والتحكم بسعر الصرف يتولّى أمرها زمرة من الصرافين بشكل ممنهج ومدروس حسب مصالح إقتصادية وأهداف سياسية مشتركة بينهم وبين الدولة والمصارف. فلا يختلف اثنان أن الأوضاع السياسية المتأزمة تلعب دوراً جوهرياً في تقلب سعر الصرف وتعتبر السبب الرئيسي وراء انهيار الليرة اللبنانية بالإضافة إلى الأسباب الإقتصادية والنقدية والمالية والنفسية الأخرى، حتى أصبح يطلق على دولار لبنان لقب الدولار السياسي بدلاً من الدولار الإقتصادي.
هو دولار سياسي بامتياز في ظل دولة متفككة ونظام فاسد ومؤسسات غائبة، وما يُثبت ذلك التقلبات الحادة التي يشهدها سعر الصرف في السوق السوداء، فالسعر يرتفع تارة وينخفض طوراً في اليوم الواحد أكثر من مرة دون أي تغييرات جوهرية في عناصر السوق الأساسية، علماً أن تردّي الوضع الإقتصادي ليس بجديد وبالتالي لا يوجد أي سبب مقنع يبرر هذا التحليق المفاجئ في السوق الموازي.
مما لا شك فيه أن التقلبات الجنونية للدولار هي على علاقة وثيقة بالمناخ السياسي والوضع النفسي السائدين في البلد. والدليل على ذلك، الإنخفاض الذي يشهده سعر الصرف مجرد إطلاق بعض التصريحات السياسية الإيجابية أو الإتفاق على إسم لتشكيل الحكومة فيتهافت اللبنانيون على بيع دولاراتهم خوفاً من خسارة قيمتها نتيجة مزيد من الهبوط. غير أن هذه الأجواء الإيجابية سرعان ما تختفي مع تجدد ظهور عقد التشكيل واحتدام الصراع السياسي بين مختلف الأفرقاء وصولاً إلى اعتذار الرئيس المكلف، فيعاود سعر صرف الدولار تحليقه الهستيىري ويتفاقم شعور الخوف والإحباط لدى المواطنين.
إذاً، مع كل بادرة إيجابية يشهدها الوضع السياسي لا سيما في ملف تشكيل الحكومة، يتجه مسار الدولار إلى الإنخفاض والعكس صحيح. وإنطلاقاً من هنا وفي حال نجاح المساعي السياسية وتمكين الرئيس المكلف من تشكيل حكومة، تُطرح الأسئلة التالية: هل سيتوقف يويو الدولار السياسي من الصعود والهبوط بشكل عشوائي دون رقيب أو حسيب؟ هل ستتمكن الحكومة الجديدة من لجم ارتفاع سعر الصرف والحد من إنهيار الليرة؟ هل ستلتقط الليرة أنفاسها وتكون على موعد مع استراحة محارب أم أن معركة الاستنزاف ستستمر وستتوالى صولات وجولات الإنهيار لا سيما في الأشهر المقبلة مع استمرار شح الغذاء والدواء، وبشائر رفع الدعم عن المحروقات والتلويح بالعتمة الدائمة؟
نذكركم انه بات بإمكانكم متابعة صفحة موقع Business Echoes على إنستغرام من خلال الضغط هنا والتي سيكون محتواها مختلفاً عن المحتوى الذي ننشره على صفحة فايسبوك.