سوليكا علاء الدين
أقلّ ما يمكن قوله عن عام 2021 أنّه عام مأساويّ بامتياز توالت فصوله السوداء تباعاً وفاق بأشهره القاسية وأيّامه الصّعبة جميع التوقعات والتحليلات، محطّماً بذلك كل الأرقام القياسية بعد أن تجاوز كافة الخطوط الحمراء وبلغ مستويات صادمة من الإنهيار والإنحدار. فعلى الرغم من الامنيات والرغبات، لم يكن على قدر التطلعات المرجوّة من الاستقرار والأمان والبحبوحة كما تمناها اللبنانيون، لا بل خيّب آمالهم وأحبط عزيمتهم وأدخلهم في آتون الموت البطيئ، فكان العام الذي توّج فيه أزمة لبنان بلقب "إنهيار القرن".
بعد عام من الاحتجاجات الشعبيّة وتدهور الوضع الاقتصادي وتفشّي جائحة كورونا مروراً بانفجار الرابع من آب المشؤوم، حلّ الـ2021 بحمله الثقيل على أكتاف اللبنانيين. فالعام الذي استبشروا به خيراً علّه ينفض عنهم رعب الوباء وألم الإنفجار، لم يترك أيّ نكسة أو مصيبة أو شدّة إلاّ وأوقعها على رؤوسهم فشهد بدايته تمديداً لحجر صحيّ دام أكثر من ثلاثة أشهر بعد أن سلكت إصابات كورونا مساراً تصاعديّاً خطيراً منذرةً بكارثة صحية واجتماعية. ناهيك عن استمرار لحجر مالي على ودائعهم متزامناً مع فراغ حكومي على وقع أسوأ أزمة اقتصادية لا مثيل لها.
ولكي تكتمل مشهديّة التدهور السوريالية، حمل العام المنتظر سلسلة من الأزمات والصدمات كان أبرزها شحّ الغذاء والدواء والمحروقات وامتداد طوابير الذل أمام الأفران والصيدليات ومحطات الوقود مع ارتفاع عمليات التهريب وتزايد التفلّت الأمني.
كما شهد الـ2021 انقطاعاً مزمناً في الكهرباء مهدّداً الأمن الصحي والغذائي للمواطن وتعالت صرخات استغاثة المستشفيات والأفران، وصولاً إلى رفع الدعم الكلي عن السلع الغذائية الاساسية ومواد المحروقات.
هذا وتواصل مسلسل انهيار الليرة مع خسارتها أكثر من 90 في المئة من قيمتها بالتوازي مع تحليق جنوني لسعر صرف الدولار الذي بلغ الأسبوع الماضي عتبة الـ30 ألف ليرة في حين كان قد وصل نهاية الـ2020 إلى ما يقارب 9 آلاف ليرة للدولار الواحد لتتدهور معها القدرة الشرائية للمواطنين ويتراجع الحد الأدنى للأجور من 450 دولاراً قبل اشتعال الأزمة إلى 25 دولاراً.
بدوره بلغ معدّل التضخّم مستويات مرتفعة إذ سجّل مؤشر تضخم الأسعار زيادة بنسبة 173.57 في المئة في تشرين الأول 2021 بعد أن كان المعدّل السنوي 84.9 في المئة عام 2020 وفق دراسة مؤشر أسعار الاستهلاك ، كما ارتفعت أسعار المواد الغذائية بنسبة وصلت إلى 400 في المئة في هذا الشهر.
وبالأرقام أيضاً، توسّعت رقعة البطالة فوصلت نسبتها إلى 41.4 في المئة مقارنة بـ36 في المئة في الـ2020 وتفاقمت حالات الفقر المدقع ليرزح 82 في المئة من السكان في فقر متعدد الأبعاد متخطّية نسبة الـ 55 في المئة العام الماضي.
كما ارتفع عدّاد الهجرة بشكل مخيف فبلغ عدد اللبنانيين المهاجرين والمسافرين منذ بداية العام وحتى منتصف شهر تشرين الثاني 2021، 77.777 فرداً مقارنة بـ 17.721 فرداً عام 2020، ونتيجة لكلّ هذه الأزمات، انتشرت حالات القلق والكآبة والإنتحار إذ أفادت الاستطلاعات إلى حدوث حالة انتحار كل 48 ساعة في لبنان، في ظل حرمان المواطنين من حقهم في الحصول على أدنى مقومات الحياة من غذاء وتعليم ورعاية صحية.
ولم يسلم الـ2021 من التقارير المؤلمة والمؤشرات المتدنية التي عكست سوء إدارة الأزمة وفشل مؤسسات الدولة وعدم اكتراث المسؤولين في مواجهتها وإيجاد الحلول ومعالجة هموم الناس والحد من معاناتهم رغم تشكيل حكومة جديدة بعد فراغ دام لأكثر من 13 شهراً. وما زاد الطين بلّة، هو وصول العاصفة الدبلوماسية بين لبنان ودول الخليج إلى ذروة تأزمها، وتجدّد الصراعات والتجاذبات السياسية العقيمة ما أدّى إلى إبطاء عمليّة التفاوض الغير مشجّعة مع صندوق النقد الدولي وإلى شلل حكومي ليشارف العام الذي بدأ بفراغ حكومي على الإنتهاء بحكومة صورية وفراغ فعلي بسبب عجزها عن الانعقاد والتحاور والتفاهم... كلّ هذا السقوط والتقهقر حدث في عام واحد، في الـ2021.
أيام قليلة وينقضي هذا العام بكل صعابه ومآسيه ليشرّع الباب أمام قدوم عام جديد محمّلأ إياه عبأه الثقيل وتاركاً خلفه ويلات ونكسات لا تعدّ ولا تحصى...
على أرض الواقع، جميع المؤشرات والأرقام تشير إلى أنّ نهاية الـ2021 هي ليست نهاية الأزمة، إذ أنّ حتى اليوم مفاتيح الحلول ما تزال مفقودة لا سيّما وأنّ لبنان على موعد مع استحقاق الانتخابات النيابيّة في ظل احتمالات مفتوحة ومخاوف كثيرة من تأجيلها حيث الترقّب سيّد الموقف.
بين متفاءل بأن يحمل العام القادم فرصة خلاص لتغيير الواقع وإخراج لبنان من جهنم الحمراء وبين متشائم بأن يكون استكمالاً لمرحلة الاستنزاف والانفلات والتدهور، هل تصدُق المعطيات ويدخل لبنان عاماً جديداً من الانهيار الكبير ويترحّم اللبنانيّون على الـ2021 أم أنّ للـ2022 كلامٌ آخر؟ فيكون عام تذليل العقبات وتبديد المخاوف وبداية لإنقاذ لبنان من أزماته ووضع اقتصاده على سكّة التعافي واسترداد الودائع والنهوض بالليرة وانخفاض الاسعار وتضاؤل معدلات التضخم والبطالة والفقر وعودة أبناء الوطن وإعادة الإعمار وكسب ثقة المجتمع العربي و الدولي. ليبقى السؤال المنتظر ماذا يخبئ الـ 2022 في طيّاته من أحداث ومفاجآت؟ولتبقى الإجابة رهن العام الجديد.
نذكركم انه بات بإمكانكم متابعة صفحة موقع Business Echoes على إنستغرام من خلال الضغط هنا والتي سيكون محتواها مختلفاً عن المحتوى الذي ننشره على صفحة فايسبوك.