سوليكا علاء الدين
لم تتوان أي منظّمة دوليّة أو هيئة أمميّة عن دقّ ناقوس الخطر من أجل تسليط الضوء على مدى خطورة تداعيات الأزمة الاقتصاديّة والتنبيه من حدّة انعكاساتها الوخيمة على اللبنانيين حيث كان أحدثها التقرير الذي جاء تحت عنوان: "بؤر الجوع الساخنة: الانذارات المبكرة بين منظّمة الأغذية والزراعة وبرنامج الأغذية العالمي حول انعدام الأمن الغذائي الحاد - توقعات من شباط إلى أيار 2022".
التقرير الذي حذّر من ازدياد التدهور في حالة انعدام الأمن الغذائي الحاد لأجزاء كبيرة من السكان، أطلق تحذيرات مبكرة من أجل اتخاذ تدابير إنسانيّة عاجلة في 20 بؤرة جوع ساخنة عالميّاً من ضمنها لبنان، حيث من المتوقّع أن يعرّض حياتهم وسبل عيشهم للخطر وذلك خلال فترة التوقعات في الأشهر المقبلة.
ولفت التقرير إلى أنّ هذا الانعدام الحاد يعود إلى مجموعة عوامل رئيسيّة أبرزها الصراعات وأشكال العنف المنظّم، الصدمات الاقتصاديّة بما فيها الأثار الجانبيّة لجائحة كورونا، الظروف المناخية المتطرفة وتقلّب المناخ والآفات والأمراض الحيوانيّة والنباتيّة.
كما أشار إلى أنًه من المتوقّع أنّ تشهد غالبيّة مناطق العالم ارتفاعاً هائلاً في معدّلات الجوع الحاد مع وصول أكثر من 34 مليون شخص في العالم إلى مستويات طارئة من الجوع الحاد واقترابهم خطوة واحدة من المجاعة.
هذا وذكر أيضاً، أنّ العديد من دول الشرق الأوسط وشمال إفريقيا تعرّضت لصعوبات اقتصادية جمّة في العام 2021، ممّا أدّى إلى تفاقم نقاط الضعف الموجودة سابقاً لا سيّما تلك التي كانت تواجه تحديات في هيكليّة الاقتصاد الكلّي قبل وباء كورونا.
أمّا فيما يتعلّق في لبنان، فقد توقّع التقرير استمرار تفاقم الانهيار الاقتصادي غير المسبوق نتيجة عدم الاستقرار السياسي وانتشار فيروس كورونا لافتاً إلى أثر تداعياته على سبل العيش وتدهور الأمن الغذائي لكل من المواطنين اللبنانيين واللاجئين، في حين أنّ الانخفاض الحاد في قيمة العملة الوطنية وارتفاع أسعار المواد الغذائية ساهما في وقوع عدد كبير من السكان تحت خط الفقر.
التقرير أوضح أنّ استنزاف الاحتياطيات النقديّة الأجنبيّة دفع بالمصرف المركزي إلى التخلّص التدريجي من العديد من السلع والمواد المدعومة مثل البنزين وغاز الطهي، الأمر الذي جعل العديد من الأسر عاجزة عن تحمّل تأمين احتياجاتها الأساسية. هذا فضلاً عن أنّ التدهور الاقتصادي الملحوظ قد يؤدي إلى افتعال توترات مجتمعية قبل الانتخابات البرلمانية الحاسمة المقرر إجراؤها في أيار 2022. مع الإشارة إلى أنّ حالة الجمود السياسي المستمر قد أدّى إلى تقويض جميع المحاولات للحصول على دعم مالي رئيسي من المنظمات الدولية والدول المانحة.
وبحسب التقرير، فقد أظهرت الأرقام انكماش الاقتصاد اللبناني بنسبة 44 في المئة بالدولار بين عامي 2018 و2020، ومن المتوقع أن ينكمش بنسبة 10.5 في المئة إضافيّة في العام 2021.
وبما أنّ لبنان بلد يعتمد على الاستيراد، فإنّ الأمن الغذائي تأثّر في نقص سلاسل العرض نتيجة الجائحة ممّا أدّى إلى شحّ في الغذاء وإلى زيادة تضخم أسعار السلع الغذائية بنسبة بلغت 304 في المئة في تشرين الأول 2021. كما انخفضت معدّلات الاستيراد بنسبة 13 في المئة خلال الفترة الممتدّة من كانون الثاني إلى تشرين الثاني 2021 مقارنة بالفترة ذاتها من العام 2020.
ونتيجة لهذه الأزمة المستمرة، أشارت التقديرات إلى أنّ أكثر من 1.3 مليون مواطن لبناني، أي 35.8 في المئة من مجموع السكان، يعانون من انعدام الأمن الغذائي، بينهم 190 ألف شخص يعانون من انعدام الأمن الغذائي الشديد. بالإضافة إلى ذلك، تمّ تقدير انتشار انعدام الأمن الغذائي المعتدل أو الشديد بنحو 23 في المئة من السكان الذين شملهم الاستطلاع، في حين أبدت 70 في المئة من الأسر قلقها حول عدم قدرتها على تناول ما يكفيها من الطعام. بينما أشارت جميع الأسر الزراعية التي تم مسحها تقريباً حاجتها إلى المساعدة في الأشهر 3-6 المقبلة.
وفي ختام الجزء المخصّص للبنان، أوصى التقرير بضرورة اعتماد خطّة استجابة طارئة 2021-2022 من أجل تلبية الاحتياجات الأساسية الفورية بما في ذلك الاحتياجات الغذائية للبنانيين الأكثر ضعفاً (400000) والسكان المهاجرين (90300) والتي قدّرت قيمتها بـ 115.4 مليون دولار للأمن الغذائي و25 مليون دولار للتدخلات الغذائية. بالإضافة إلى الاستمرار في توسيع نطاق التحويلات القائمة على النقد، بما في ذلك نشر شبكة الأمان الاجتماعي في حالات الطوارئ، من أجل الوصول إلى عدد متزايد من الأسر الضعيفة بالتعاون مع الحكومة اللبنانية. هذا فضلاً عن الحفاظ على القدرة في تقديم المساعدة المنقذة للحياة وزيادتها في بيئة تواجه فيها الخدمات المصرفية وسلاسل التوريد والأسعار واستقرار العملة تحديات متزايدة وصولاً إلى تمديد عملية الوقود في قطاع اللوجستيات حتى مارس 2022، لتسهيل عمليّة الوصول الموثوق للوقود.
يعود الأمن الغذائي ليتصدّر واجهة المشهد الاجتماعي والانساني المتردّي في لبنان، البلد الذي لم يترك له مسؤولوه أي حفرة معاناة أو بؤرة مأساة إلّا وأوقعوا شعبه فيها. فرغم الاختناق المتواصل، لم تُمنح الأوليّة بعد لمعالجة مشاكل وهموم اللبنانيين اليومية، إذ يشتدّ يوماً بعد يوم وطيس الأزمة في ظل انعدام الحلول المستدامة والشاملة للتخفيف من وطأتها عليهم؛ ليقعوا ضحيّة الاستهتار واللامبالاة وليستمروا في الغرق في بُؤر الجوع والعوز والحرمان دون وجود أي قوارب نجاة.
نذكركم انه بات بإمكانكم متابعة صفحة موقع Business Echoes على إنستغرام من خلال الضغط هنا والتي سيكون محتواها مختلفاً عن المحتوى الذي ننشره على صفحة فايسبوك.