سوليكا علاء الدين
لطالما اشتهر لبنان في تقديم الخدمات الصحية والإستشفائية المميزة والعلاجات المتطورة بفضل مستشفياته وكوادره الطبية والتمريضية الناجحة، الأمر الذي حجز له مكاناً على خارطة السياحة الطبية العالمية ومنحه لقب "مستشفى الشرق الأوسط". فماذا بقي من هذا اللقب بعد أن أصبح القطاع الصحي عاجزاً عن الصمود؟
يتهاوى القطاع الصحي أمام أنظار السلطة في مشهدية قاسية ومخزية، إذ طال الإنهيار كافة مكوناته الحيوية من مستشفيات وأطباء وممرضين وأدوية ومستلزمات طبية. إنهيار تاريخي لم يشهد له مثيل حتى في زمن أسوأ الحروب وأصعب الأزمات. من اشتداد الأزمة الإقتصادية، لإنتشار فيروس كورونا، مروراً بانفجار المرفأ الكارثي وتصاعد حدة الإضطرابات السياسية، جميعها شكلت ضىربات متتالية أدت إلى تضييق الخناق على القطاع الصحي الذي يخوض اليوم معركة ضروس ضدّ أشرس أزمة تعصف بلبنان، أزمة جعلت منه قطاعاً مشلولاً يرزح تحت أعباء اقتصادية واجتماعية وقاب قوسين أو أدنى من الإنهيار التام.
ومع تفاقم الأزمة الصحية سوءاً وازدياد خطورتها، باتت جميع المستشفيات تعمل في ظروف إستثنائية قاهرة، وتناضل من أجل تقديم الخدمات الطبية والإستشفائية الملحّة. فأزمة الدولار أفقدتها السيولة النقدية وجعلتها عاجزة عن تسديد معظم رواتب كوادرها وتأمين إحتياجاتها من أدوات ولوازم طبية كالأمصال والأوكسيحين وأدوية البنج، بالإضافة إلى رفض الشركات المستوردة تسليم الأدوية متحججة بعدم صرف إعتمادات كافية لها من المصرف المركزي، ناهيك عن تمادي عمليات تهريبها وتخزينها في المستودعات من دون رقيب ولا حسيب لا سيما تلك المتعلقة بالأمراض المزمنة والمستعصية.
وما زاد الطين بلة، التقنين القاسي للكهرباء وأزمة المحروقات والنقص في مادتي البنزين والمازوت، إذ تعاني المستشفيات من انقطاع شديد في الكهرباء يصل أحياناً لأكثر من 20 ساعة في اليوم مع ما يراقفه من تأجيل لعدد من العمليات الجراحية وعدم توافر غرف العناية الفائقة، فالمولدات الخاصة عاجزة عن تعويض كهرباء الدولة بسبب نفاذ مخزون مادة المازوت لديها والطواقم الطبية والتمريضية غير قادرة على الوصول إلى أماكن عملها بسبب شح البنزين، الأمر الذي يهدد حياة المرضى ويعرضهم للخطر.
مما لا شك فيه أن توسع انتشار رقعة فيروس كورونا وانفجار 4 آب ساهما بشكل كبير في استنزاف القطاع الصحي والإستشفائي في لبنان بعد تضرر أكثر من 100 منشأة صحية وهجرة عدد هائل من الأطباء والممرضين. إلا أنه من غير المقبول لا أخلاقياً ولا إنسانياً أن تقع المستشفيات ضحية استهتار الدولة وتقاعسها عن إتمام واجباتها وتحمل مسؤولياتها والعمل من أجل إنقاذ القطاع من الإنهيار. فقدرة المستشفيات على الإستمرارية تفوق طاقتها، وإمكانياتها تضمحل يوماً بعد يوم لا سيما وأن البعض منها رفع الراية البيضاء وأعلن عن توقفه القسري عن العمل.
ما يجري اليوم في المستشفيات هو انتهاك صريح لأبسط حقوق الإنسان، وإبادة جماعية بحق شعب بأكمله، لا بل جريمة إنسانية ترفضها الأديان والشرائع والمؤسسات. فبأي حق وبأي قانون تُحرم المستشفيات من الكهرباء والمازوت؟ ألا يُدرك حكامنا أنّ أمن المواطن الصحي خط أحمر وأن المساس فيه هو مساس بالأمن الوطني؟ فأين هم من حماية المستشفيات والمنشآت الطبية؟ وأين هم من الحفاظ على صحة المواطنين وحياتهم وتأمين الحد الأدنى من الرعاية الصحية الكريمة لهم؟
نذكركم انه بات بإمكانكم متابعة صفحة موقع Business Echoes على إنستغرام من خلال الضغط هنا والتي سيكون محتواها مختلفاً عن المحتوى الذي ننشره على صفحة فايسبوك.