بات النهوض بالإقتصاد اللبناني حاجة ملحّة لعودة الثقة بالبلاد، وعودة الحركة الى الأعمال وتنشيط الدورة الاقتصادية، ويتمثل ذلك بالإسراع بتأليف الحكومة التي مضى على تكليف الرئيس سعد الحريري بها اكثر من سبعة أشهر وهو يواجه عراقيل من هنا ومن هناك.
ويرى رئيس مجلس الأعمال اللبناني العُماني شادي مسعد في حديث لموقع Business Echoes لأخبار الاقتصاد والتكنولوجيا، أن هناك حاجة الى التدقيق في خطورة الوضع الاقتصادي والمالي في لبنان، مع وصول الموضوع الى درجة من الخطورة، تستدعي التخوّف، وخاصة أنّ الموضوع ليس آنيا بل أنّه نتيجة تراكمية من سنوات عديدة أدّت الى الكثير من الإشكالات التي أوصلت البلاد الى دين عام بقيمة 87 مليار دولار اميركي، والذي يتمثّل خصوصاً بعجز سنوي في الموازنة يؤدّي الى ارتفاع الدّين.
ولفت مسعد الى أنّ التوقعات كانت بوصول العجز الى 5.5 مليار دولار ولكنه بلغ 7.8 مليار دولار، ما يفوق التوقعات. واعتبر ان العجز يتمّ تسديده من خلال بيع سندات خزينة مستمرة بشكل أسبوعي بفوائد مرتفعة، ففي شهر تشرين الثاني 2018، تمّ بيع سندات بـ 800 مليون دولار، وفي شهر تشرين الأوّل تمّ بيع 112 مليون دولار، مشيراً الى ان شراء سندات الخزينة من قبل المواطنين مستمر بشكل دائم للتمكّن من تسديد الدّين والعجز.
ورأى مسعد أن حجم الدين هو أكثر من 87 مليار دولار ، حيث ان هناك أموراً أخرى غير محسوبة، فعلى سبيل المثال مطالبات المستشفيات بأموالها التي تُعطى مقابلها سندات خزينة، بالاضافة الى اعطاء المقاولين سندات خزينة، وكذلك اقتراض الدولة من الضمان الاجتماعي، فهذه الحالات كلها تصنّف تحت خانة الديون والتي قد تصل الى حدود الـ 5 مليارات دولار.
كما اعتبر أنّ كلّ عمل مفترض أن تقوم به الحكومة ولم تتمكّن من إنجازه يُعدّ دينا مَهما كان الأمر بسيطاً.
ولفت الى أنّ الاسباب المؤدية الى حال البلبلة في لبنان عديدة أبرزها:
-
سلسلة الرتب والرواتب التي أُقرّت نتيجة الضغط الشعبي والعمالي واقفال الشوارع والمدارس، من دون دراسة كيفية تمويلها، وبالتالي فالحكومة قررت ثمّ فكّرت وهذا ما أجبرها على زيادة الضرائب مع غياب قطاعي الزراعة والصناعة واقفال الحدود وتوقّف التصدير. وقد تؤدي سلسلة الرتب والرواتب الى تضخم في الأسواق، فارتفاع الرواتب يتطلّب ارتفاع اسعار السلع، وارتفاع رواتب المعلّمين، يؤدّي حتما الى ارتفاع تكلفة التّعليم. وهذا ما أدّى الى التضخم التي وصل بحسب وكالة الاحصاء المركزي الى حدود الـ 6% لغاية الشهر الماضي مقارنة بـ 4.8% في السنة الماضية. وقال أنّ هذا الرقم كبير جدا وخاصة مع تدني أسعار النفط.
-
عدم وجود حكومة ما قلّل من ثقة المواطن وثقة المستثمر الاجنبي فيما أدّى الى خفض بحدود الـ 11% من نسبة التدفقات المالية الى لبنان بالاضافة الى هروب ما يقدّر بملياري دولار من الرساميل الاجنبية الموجودة في البنوك اللبنانية الى الخارج، وهذا ما يستدعي الخوف من استمرار الوضع على هذا المنوال. ولفت الى انّ مصرف لبنان يضطر الى التدخّل في بعض الحالات لحماية الليرة.
وشدّد مسعد على وجوب الإسراع بتأليف الحكومة لأسباب أهمها:
-
استعادة المواطنين والمستثمرين الاطمئنان، ولإطمئنان الدول الاجنبية التي يتعامل معها لبنان.
-
البدء بالتفكير بالاصلاحات وتنفيذ متطلبات مؤتمر سيدر للحصول على 11 مليار دولار.
-
الاستغناء عن سياسة النأي بالنفس خاصة مع بدء مرحلة اعادة الاعمار في سوريا، التي تتطلّب ما بين 230 مليار دولار و560 مليار دولار، فنحن الأحق بالحصول على الحصّة الاكبر من اعادة اعمار سوريا او ان نكون على الاقل نقطة الانطلاق لاعادة الاعمار ويكون لبنان نقطة انطلاق الشركات الاجنبية لإعادة اعمار سوريا.
-
اعادة دراسة الاقتصاد الوطني اللبناني، فهو ابتدأ بشكل عشوائي نتيجة التدفق النفطي في الخليج وازدياد اقبال الخليجيين الى لبنان للسياحة والاصطياف في الستينات، فالعائدات من السياحة أبعدت لبنان عن التركيز على قطاعات اخرى كالصناعة والزراعة والتجارة وتّم التركيز على الخدمات والسياحة، ومع تراجع القطاع السياحي أصيب الاقتصاد الوطني بصدمة وعجز.
وقال مسعد انّ دراسة ماكينزي الذي يتمّ العمل عليها لن تأتي بجديد، وما تمّ لحظه في الدراسة هو نفسه ما كنّا نتحدّث عنه سابقا، كتشريع الحشيشة وتقوية الزراعة والصناعة، والأهم هو ربط القطاعات ببعضها البعض.
ولفت الى أنّ التسرّب المالي من عائدات السياحة في لبنان هو بحدود 90%، فعائدات السياحة تبلغ حوالي 8 مليارات دولار سنويا، ولكن هذه الاموال لا تبقى في لبنان نتيجة استيراد المواد التي تستخدم لتقوية هذا القطاع من الخارج، واضاف انّ تقوية الدخل السياحي الحقيقي يتطلّب ربط القطاع الصناعي والزراعي بالقطاع السياحي وهكذا تعمل الصناعة والزراعة على دعم السياحة في لبنان.
وختم قائلا إنّ هذ الأمور لن تتمّ الا عبر لجنة مختصة تكلّفها الحكومة لإعادة تطوير الاقتصاد اللبناني، وتكون دراسة ماكينزي نقطة الانطلاق لبناء اقتصاد جديد في لبنان، ولتصبح الدولة هي المسيطرة وليس القطاعات الخاصة ولا الاموال الاجنبية التي تدخل الى البلد.