لا شك ان الارقام المالية والمؤشرات الصادرة عن المؤسسات المالية والنقابات والوزارات في لبنان، تنذر بدق ناقوس الخطر، في ظل التراجع الحاصل في الحركة الاقتصادية منذ سنوات، ومع انخفاض نسب السياح وتراجع نسب اقبال المغتربين ايضاً، وغياب الاستثمارات الاجنبية التي تخلق فرص عمل.
أضِف الى ذلك ما يحكى عن اقفال مؤسسات ومصانع وشركات لم تتمكّن من تحقيق نمو ونجاح، بسبب المنافسة غير المشروعة والإغراق، وغياب القوانين المحفِّزة، ناهيك عما يثار عن بعض المؤسسات التي تتأخر بتسديد ما يتوجب عليها لموظفيها، وظاهرة استبدال العمال اللبنانيين بعمّال اجانب رخيصة الكلفة.
ولا يغيب عن بالنا، تراجع القدرة الشرائية لدى المواطن اللبناني ذوي الدخل المحدود، والتي انعكست سلباً على المؤسسات والتجار واصحاب المحلات التي تعتمد على القوة الشرائية اللبنانية والمغتربين، وما يحصل لها مع غياب المغتربين، الذين باتوا اصلاً يعانون في بلدان الاغتراب من تراجع الاقتصاد، الذي بات يسود معظم انحاء العالم وتحديداً في المنطقة، ما أدّى الى تراجع التحويلات المالية الى ذويهم وحذرهم بزيادة إنفاقهم في لبنان.
فالمغتربون اللبنانيون في دول الجوار باتوا يواجهون استبدالهم بمواطنين من هذه الدول وموظفين من دول اخرى ارخص كلفة، عدا عن بعض الشركات الضخمة حتى، التي تشهد تراجعاً في اعمالها بسبب الجمود الحاصل في كل القطاعات بفعل الاوضاع السياسية في المنطقة.
واذا اردنا ان نسرد كل ما يحصل في القطاعات الانتاجية اللبنانية تمتلىء الصفحة، فالمعاناة تبدأ مع الموظفين الصغار في القطاع الخاص، الى اصحاب الشركات مروراً بالموظفين في القطاعات الرسمية الذين يطالبون بحقوقهم المتأخرة وزيادات بالرواتب، وصولاً الى انعكاس ذلك على الاقتصاد بأكمله.
القطاع العقاري والذي يعتبر ثاني اكبر القطاعات اللبنانية بعد القطاع المصرفي يشهد جموداً مخيفاً ، وزاد بجموده وقف القروض الاسكانية لذوي الدخل المحدود الذين يسعون الى تأسيس عائلات وشراء مساكن لهم، وينعكس جمود القطاع العقاري على مؤسسات مواد البناء والمصارف والمقاولات وشركات التعهدات وشركات المفروشات واجهزة المنازل والعمالة والمهن الحرة وغيرها وغيرها.
القطاع السياحي ليس بأفضل حال مع تراجع نسب السياح وانخفاض عدد المؤترات الدولية التي تحصل في لبنان وتجذب نسباً كبيرة من المشاركين من دول عربية واجنبية، وأكرِّر دول عربية حظرت مجيىء رعاياها الى لبنان بسبب الظروف السياسية، والقلق من حصول اي امر سيىء كما حصل في الفترات الماضية.
كما أن قيمة الشيكات المرتجعة والتي زادت بما يقارب 36 مليون دولار اميركي (أي بنسبة 6.16%) على صعيدٍ سنويٍّ إلى يعادل 632 مليون دولار اميركي خلال الأشهُر الخمسة الأولى من العام 2018، موزَّعة على 109،966 شيكاً، تدلّ على تعاظم المعاناة . وتدعو هذه الأرقام الى اعادة النظر بواقع الاقتصاد المتدهور وتراجع اعمال الشركات والمؤسسات.
القطاع الصناعي يعاني الإغراق بالبضائع المنافسة وبطرق غير مشروعة، وغلاء الأكلاف وهناك ضرورة للتغيير في هيكلية الاقتصاد ليتحول من اقتصاد ريعي الى اقتصاد منتج، ويتمثّل ذلك بالقيام بإجراءات عديدة كتشجيع القطاع الخاص ليضخ استثمارات في قطاعي الصناعة والخدمات، من تأمين الحماية لبعض السلع ومنحها اعفاءات ضريبية، مع التشديد على ضبط التهريب ومكافحة التهرّب من دفع الرسوم الجمركية والضرائب والرسوم الأخرى.
قطاع النقل يتطلّب خطة طوارىء سريعة تبدأ بالنقل العام ومعالجة ازمة السير التي تكلّف الاقتصاد ما يقارب الـ 5 مليارات دولار اميركي سنوياً فضلاً عن الضغط النفسي على المواطنين وغيره.
القطاع الزراعي حدِّث ولا حرج.
القطاع التجاري كما ذكرت في مقدمة المقال يزداد سوءاً ونسمع يومياً عن اقفال مؤسسات تعاني المنافسة وقلة الحركة الشرائية.
فيما البيئة تزداد تلوّثاً وبات لبنان في مقدمة الدول الملوِّثة للبيئة وسط غياب الحلول وازدياد الإمراض المسرطنة والخطيرة، اضافة الى ما تسبِّبه المولّدات على صحة سكان لبنان، فسكان المدن خصوصاً العاصمة بيروت باتوا يعانون من الكسل والخمول خصوصاً في ساعات الصباح المبكرة نتيجة استنشاقهم الهواء الملوّث.
القطاع الصحي يتراجع والكلام عن خفض اسعار الدواء كله لا يرقى الى اقل الحقوق والواجبات المطلوبة من الدولة ووزارة الصحة للمواطن، والواسطات والسمسرات تغزو المستشفيات وذوي الدخل المحدود محرومون من العلاج الصحيح ويتهافتون على ابواب المسؤولين للحصول عليه.
الرشوة والفساد والهدر كلها ظواهر مستمرة تسبقها المحسوبيات في كل دوائر الدولة اضافة الى غياب التوظيف في امكنة معيّنة، وفوائض بالموظفين غير المنتجين في امكنة أخرى.
أزمة النازحين السوريين وانعكاسات ذلك على لبنان واقتصاده أمر مخيف، وسط غياب الحلول والخلاف على ايجاد المعالجة وتقاذف الاتهامات.
حدِّث ولا حرج اللائحة تطول، وكل ذلك يتطلّب الإسراع بتأليف الحكومة والبدء بشفافية بالإصلاحات المطلوبة، ليرافق ذلك البدء بمشاريع لتطوير البنى التحتية، أقرها مؤتمر سيدر في باريس الذي من المفترض ان يدعم الاقتصاد اللبناني ويخلق فرص عمل للشباب، والأهم من ذلك استعادة الثقة بلبنان والعودة بمراكزه الى المقدمة في لوائح التصنيف الدولية.
لبنان بلد الفرص الضائعة وسيبقى هكذا حتى يصبح الولاء من شيم جميع المسؤولين والسياسيين في كل الوزارات والدوائر والمؤسسات.
كتب باسل الخطيب
مؤسِّس موقع بزنس إيكوز
معدّ ومقدِّم برامج اقتصادية في تلفزيون المستقبل
[email protected]