سوليكا علاء الدين
أسدل العام 2021 ستاره على اللبنانيين تاركاً خلفه العديد من المنعطفات الخطيرة والتحديات العصيبة ومشرّعاً الباب أمام مواعيد واستحقاقات مصيريّة تحتاج إلى تحرّك سريع وفعّال وعدم هدر الوقت عمداً وتضييع الفرص المتبّقية علّ إنجازها يسمح بإيصال لبنان إلى برّ الأمان والاستقرار. فالبلد الذي يعاني من أسوأ أزمة اقتصادية في تاريخه يدخل عامه الثالث على التوالي من الإنهيارات والتعثرات في ظل سوداويّة المشهد السياسي واستمرار الدوران في حلقة مفرغة من المراوحة والمماطلة، الأمر الذي أدّى إلى تفاقم قوّة وشدّة الإرتطام الكارثي.
بالعودة إلى معطيات ومؤشرات العام المنصرم، لا تبشّر الوقائع بأيّة حلول متاحة على المدى القريب إذ أنّ الأرقام مقلقة والأوضاع معقّدة جداً وهي إن فاقت كل التوقعات والمستويات تُنذر بما هو أسوأ وأخطر على كل الأصعدة، وطريق العام الجديد ستكون شاقة ومعبّدة بالكثير من المطبّات الخطيرة ومليئة بسلسلة من الاستحقاقات المفصليّة التي ستلعب دوراً محوريّاً في تحديد مسار البلاد لا سيما مع وجود جملة من التحديات المتشعّبة والمتداخلة تمتدّ ما بين سياسية واقتصادية ومالية ومصرفية ونقدية وقضائية وأمنية واجتماعية.
إذاً، لبنان على موعد مع استحقاقات جوهريّة، أوّلها استحقاق ماليّ يكمن في إقرار خطة متكاملة للتعافي الاقتصادي والعمل على الإسراع في تنفيذ برنامج الإصلاحات الملحّة للحصول على الدعم والمساعدات، على أن تتضمّن الخطة ضرورة الإتفاق على تحديد الخسائر -وهو البند الوحيد الذي تمّ إنجازه وفق اللجنة- وتوحيد سعر الصرف والتدقيق الجنائي وإقرار قانون الكابيتال كونترول وإعادة هيكلة الدين العام وإصلاح القطاع العام خاصّة ملف الكهرباء من أجل المباشرة في عمليّة تفاوض جديّة مع صندوق النقد الدولي.
أمّا الاستحقاق الثاني والأخطر فهو سياسي ويتمثّل في إجراء الانتخابات النيابية في أيار المقبل والتي تُمهّد للانتخابات الرئاسيّة القادمة على رغم تزايد المخاوف من تأجيلها وكثرة الشكوك حول إمكانيّة تطييرها ليبقى الحذر من تداعيات سيناريو التمديد والخوف من مخاطر شبح الفراغ رهن الترقب والإنتظار.
في المقابل، يرتبط نجاح هذين الاستحقاقين ارتباطاً وثيقاً بكيفيّة مواجهة لبنان لشبكة من التحديات الصعبة التي من شأنها أن تعرقل جميع الجهود والمساعي الرامية إلى إنجازهما، ويمكن تلخيص أبرزها فيما يلي:
-
وقف التعطيل ومعالجة الشلل الحكومي وفكّ القيود المفروضة على انعقاد جلسات مجلس الوزراء.
-
وضع خارطة طريق إنقاذية كاملة تشمل خططاً إقتصادية ومالية ونقدية ومصرفية وإجتماعية من أجل لجم الإنهيار وإنتشال لبنان من أزمته.
-
كسب الثقة الداخلية والخارجية المفقودة للحصول على المساعدات الملحّة والدعم المالي المنشود تمهيداً للخروج من إنكماش النمو الاقتصادي.
-
الحد من تدهور سعر صرف الليرة اللبنانية مقابل الدولار وإعادة الثقة بالعملة الوطنية لا سيما بعد أن تجاوز سعر الصرف عتبة الـ30 ألف للدولار الواحد.
-
العمل على تحسين القدرة الشرائية المتدهورة للمواطنين وتخفيض أسعار السلع والمنتجات نتيجة استمرار انهيار الليرة وانخفاض الحد الأدنى للأجور وارتفاع معدّلات التضخم.
-
إدخال برنامج البطاقة التمويلية حيّز التنفيذ الفوري والإسراع في تأمين التمويل اللازم لها وعدم ربطها بمصالح وأهداف سياسية مشبوهة.
-
توفير شبكة أمان وحماية اجتماعيّة ودعم الأسر الأكثر عوزاً والعاجزة عن تأمين احتياجاتها من الخدمات الاساسية بالتزامن مع تزايد معدّلات البطالة والهجرة وتوسّع حزام الفقر.
-
فصل مسار التحقيق في قضية المرفأ عن القضايا المتأججة الأخرى وإبعادها عن المناكفات والتجاذبات الداخليّة وعدم زجّها في متاهات السياسة ومستنقعاتها.
-
إيجاد حل عاجل للأزمة الديبلوماسيّة مع دول الخليج والسعي إلى إخراج لبنان من عزلته وإعادته إلى الحضن العربي.
-
الحفاظ على الاستقرار وصون السّلم الأهلي الهشّ وحماية الأمن الاجتماعي في ظل تفاقم التوترات السياسية والتداعيات الاقتصادية الراهنة.
مما لا شك فيه أن التحديات خطيرة والاستحقاقات أخطر وليس مستغرباً أن يبدأ العام 2022 بما انتهى عليه العام 2021 وأن يكون استكمالاً للجمود والعجز والفشل والمراوغة دون أيّة حلحلة أو تقدّم ملموس، باستثناء الدولار الذي يتقدّم وحده أشواطاً ويقفز قفزات جنونيّة ليحلّق بعيداً متخطّياً حاجز الـ30 ألف ليرة للدولار دون أي رادع ليزيد الضغط على العملة الوطنية ويعمّق من معاناة اللبنانيين. فأوجه الإنهيار المختلفة التي شهدها لبنان العام الماضي من المتوقّع أن تُستكمل مع العام الجديد، وبالتالي فإنّ التخبّط والسقوط المروّع نحو القعر لن يُوقفه انتهاء عام وقدوم آخر في ظل تفوّق المصالح الخاصّة على مصلحة الوطن وما دامت النوايا غير صادقة والجهود المبذولة غير مقنعة لإيجاد الحلول والخروج من دوّامة الأزمات.
يستحقّ العام 2022 لقب عام الاستحقاقات الضبابية عن جدارة بحيث ينتظر الجميع أحداث الأيّام القادمة وما ستحمله من مفاجآت، إذ لا يُخفى على أحد أنّ إتمام الإتفاق مع صندوق النقد الدولي وإنجاز الانتخابات النيابية قد يكونان مفتاح الحل السحري، في حين أنّ فشل أي منهما سوف يُودي بلبنان إلى الموت المحتّم بسبب فقدانه كافة فرص الإنقاذ وانعدام إمكانيّة النجاة. ويبقى أخطر ما في هذا الفشل، هو توسّع سُبحة الأزمات المتراكمة وتشابكها وعدم إدراك الأطراف المتنازعة خطورة الوضع وتحمّلها لمسؤولياتها الوطنية، فيُصبح الوصول إلى نقطة اللاّعودة عنوان هذا العام حيث لا ينفع بعدها الندم.
نذكركم انه بات بإمكانكم متابعة صفحة موقع Business Echoes على إنستغرام من خلال الضغط هنا والتي سيكون محتواها مختلفاً عن المحتوى الذي ننشره على صفحة فايسبوك.