ويجذب انخفاض قيمة عملات الدول، أنظار الخبراء الاقتصاديين حول العالم، لما لهذا الأمر من انعكاسات اقتصادية واجتماعية على الشعوب في تلك الدول. وقد نشر أستاذ الاقتصاد التطبيقي في جامعة جونز هوبكنز، ومدير مشروع العملات المتعثرة في معهد كاتو ستيف هانكي، القائمة المحدثة لمؤشر Hanke's Currency Watchlist والمتعلقة بأسوأ العملات أداءً خلال الفترة الممتدة من 1 يناير 2022 وحتى 24 فبراير 2023.
وبحسب Hanke's Currency Watchlist فقد احتل دولار زيمبابوي المرتبة الأولى كأسوأ العملات أداءً من 1 كانون الثاني 2022 وحتى 24 شباط 2023، مع فقدانه لما نسبته 84.62 في المئة من قيمته المسجلة في بداية 2022.
أما في المرتبة الثانية فقد حل البوليفار الفنزويلي الذي تراجع بنسبة 80.13 في المئة، لتحل الليرة اللبنانية في المرتبة الثالثة متراجعة بنسبة 66.46 من قيمتها المسجلة في بداية 2022.
وفي المرتبة الرابعة حل البيزو الكوبي الذي انخفض سعره بنسبة 58.86 في المئة مقابل الدولار، تبعه في المرتبة الخامسة الليون السيراليوني الذي تراجع بنسبة 53.04 في المئة من قيمته المسجلة في بداية 2022.
وتعاني عملات هذه الدول من مجموعة من الضغوط، منها ما هو سياسي ومنها ما هو اقتصادي، فضلاً عن أخطاء ترتكبها البنوك المركزية في تلك الدول، وتتمثل إحداها بسياسة طباعة العملة.
عوامل خارجية وداخلية
ويقول محلل أسواق المال في CFI جورج خوري، في حديث لموقع "بزنس إيكوز"، إنه هناك شقّين يجب النظر اليهما لشرح أسباب حلول هذه العملات في قائمة الأسوأ أداءً حتى 24 فبراير 2023، حيث يتمثل الشق الأول بالعوامل الخارجية، في حين يرتبط الشق الثاني بالعوامل الداخلية.
ويشرح خوري أن العوامل الخارجية ترتبط بالدولار الأميركي، التضخم العالمي، وأزمة الطاقة العالمية وتأثيرها على اقتصادات الدول، بغض النظر عما إذا كانت تلك الاقتصادات ناجحة او غير ناجحة، مشيراً الى أن الدولار الأميركي ارتفع بشكل قوي خلال 2022، مدعوماً برفع الفائدة في أميركا لمحاربة التضخم، حيث تسبب هذا الأمر بنقص في القيمة الفعلية للعملات الأجنبية مقابل الدولار الاميركي بشكل كبير.
التراجع شمل عملات كثيرة
ولفت خوري أيضاً الى الضغوط التي تسبب بها ارتفاع كل من أسعار الطاقة، وأسعار مختلف السلع والمعادن والحبوب بعد الحرب الروسية الأوكرانية، ما أثر على ميزانيات الدول، مشدداً على أن تراجع العملات في 2022، لم يقتصر على تلك التي تم ذكرها في مؤشر Hanke's Currency Watchlist بل شمل الكثير من عملات الدول في أوروبا وبريطانيا وأستراليا.
جمعت بينها العوامل نفسها
أما بالنسبة للعوامل الداخلية التي تؤثر على قيمة عملات الدول، فيقول خوري إنها ترتبط بسوء الادارة الاقتصادية، وعدم الاستقرار السياسي وعبء الديون والتعثرات والميزان التجاري، مشيراً الى أن عملات زيمبابوي وفنزويلا ولبنان وكوبا وسيراليون، تجمع بينها جميع هذه العوامل، ومن هنا يمكن فهم سبب احتلالها المراتب الأولى في قائمة الاسوأ حتى نهاية الشهر الثاني من 2023.
تعميق الجراح
ويرى خوري أن جراح أسوأ العملات أداءً، ستتعمق في حال لم تقم حكومات الدول المذكورة، بحل الكثير من المشاكل التي تعاني منها، مثل الفساد وسوء الإدارة الاقتصادية، والاعتماد على الاستيراد، مشدداً على أن لا صندوق النقد الدولي ولا المؤسسات المالية على استعداد لمساعدة هذه الدول، قبل البدء بالاصلاحات المطلوبة منها، وأولها تلك المرتبطة بالفساد، الذي يعد المرجع الرئيسي لقيادة التراجع الاقتصادي والانكماش والارتفاعات الهائلة بالتضخم، حيث أن معالجة الفساد تعني أن الدولة وضعت نفسها على السكة الصحيحة للمعالجة الاقتصادية، ما يشجع المؤسسات المالية الدولية على تقديم المساعدة.
تقييم العملات التي كانت مثبتة
ولفت خوري الى أن مؤشر Hanke's Currency Watchlist يقوم بتقييم العملات التي تم تثبيتها، أو التي كانت مثبتة مقابل الدولار الأميركي، وبالتالي يمكن أن تكون هناك عملات، تعرضت لخسائر أكبر من حيث القيمة، إلا أن المؤشر لم يذكرها كون غير مثبتة.
مؤشر هانكي يعاني من الرتابة
من جهته يرى المستشار المالي والمصرفي غسان شماس، في حديث لموقع "بزنس إيكوز"، أن مؤشر Hanke's Currency Watchlist بات يعاني من الرتابة، وهو يركز دائماً على الدول التي تعاني من ظروف معينة باقتصادها، تنعكس سلباً على سعر الصرف، مشيراً الى أن ستيف هانكي وهو معد هذا المؤشر، يقوم بتسطيح المعطيات الاقتصادية والنقدية في بلاد العالم، لتقديم حلّ يتمثل بإنشاء "مجلس النقد" أو currency board.
ما هو مجلس النقد؟
ومجلس النقد أو currency board هو سلطة حكومية مستقلة، تعمل بشكل أساسي كمنظم لأسعار الصرف، فعلى سبيل المثال تؤخذ العملة غير المحلية، مثل الدولار الأميركي أو اليورو كعملة أساسية، ويتم تثبيت سعر الصرف بين العملة المحلية وهذه العملة الأساسية عند سعر معين. وهذا يتطلب من البنوك المركزية التوقف عن طباعة العملة الوطنية حيث ينصب التركيز الأساسي، على التأكد من أن العملة المحلية الموجودة في السوق، مدعومة بالكامل وبنسبة 100 في المئة من العملة غير المحلية التي تم اعتمادها كعملة أساسية.
ويتمتع مجلس النقد بسلطة إصدار قيود نقدية، وإنشاء وتنفيذ السياسات التجارية والمالية في حالة حدوث أزمة مالية أو انهيار اقتصادي، لتنظيم السوق وإبقاء التضخم تحت السيطرة.
حلّ واحد لا يناسب كل الدول
ويشرح شماس أن مبدأ الـ Currency Board أو مجلس النقد لا يمكن تطبيقه في جميع الدول، فهو قد ينجح في دولة معينة ولكن في دول اخرى لا، فمثلاً لبنان يعاني من فجوة مالية حجمها 90 مليار دولار وهي أموال للمودعين تبين أنها غير موجودة في المصارف، وبالتالي فإذا تحميل هذا المبلغ للـ Currency Board سيصل بسعر صرف الليرة بشكل فوري الى 500 الف ليرة للدولار الواحد، ومن هنا يمكن التأكيد على أن هذا الحل لا يناسب لبنان.
وبحسب شماس فإن مؤشر Hanke's Currency Watchlist يركز على عملات بعينها ويتجاهل أخرى، مشيراً الى أن كلامه لا يعني أن نتيجة المؤشر أو اقتراحات الحل التي يقدمها غير صحيحة، ولكن لا يمكن تطبيق مبدأ "حل واحد يناسب الجميع" على كل الدول.
يمكنكم متابعة صفحة موقع Business Echoes على إنستغرام من خلال الضغط هنا.