سوليكا علاء الدين
"قدي الدولار اليوم؟"، سؤال أصبح من مرادفات الصباح اليومية والروتينية الذي يسبق عبارة "صباح الخير"، حيث بات سعر صرف الدولار مقابل الليرة اللبنانية في السوق السوداء هو الشغل الشاغل لدى المواطن اللبناني الذي يستيقظ على تسعيرة وينام على تسعيرة مختلفة مع تقلّب سعر الصرف أكثر من مرّة في اليوم الواحد بين الصباح و الظهيرة والمساء لا سيما عند كل استحقاق سياسي بعيداً عن أية مبررات إقتصادية واضحة ومن دون حسيب ولا رقيب، وآخرها التقلبات التي رافقت أجواء تأليف الحكومة الجديدة بحيث صدقت كل التوقعات وانعكست عملية التأليف إيجاباً على سعر صرف الدولار في السوق السوداء الذي شهد إنخفاضاً ملحوظاً ليسجّل أدنى مستوياته عند 13 ألف ليرة بعد أن قفز قفزة جنونية خلال الأشهر الماضية ليلامس حاجز الـ 24 ألف ليرة لكل دولار.
هذا الإنخفاض غير المبرّر واللامنطقي بثّ الخوف والرعب في نفوس المواطنين الذين هرعوا إلى بيع دولاراتهم خوفاً من تكبّد المزيد من الخسارة في حال استمرار هبوط الدولار وانخفاض قيمته أكثر غير آبهين بخطورة ما يقدمون عليه وتأثيره السلبي على قدرتهم الشرائية، إذ امتدت طوابير المواطنين في صفوف طويلة أمام محال الصيرفة التي حصرت عملياتها في شراء العملة الخضراء بينما امتنعت عن بيعها بحجة عدم توافرها.
مما لا شك فيه أن التقلبات الحادة لسعر الصرف تتحكم به عوامل سياسية بحتة بعيداً عن الأسس الإقتصادية والمالية والنقدية، فالدولار في لبنان أصبح دولاراً سياسياً بامتياز وغير خاضع لقانون السوق أي العرض والطلب. فصحيح أن ولادة الحكومة من شأنها أن تكون بداية الطريق لفرملة انهيار العملة ولمعالجة الأزمة الإقتصادية المستشرسة، لكنها لا تعتبر حافزاً كافياً كي يتهافت المواطنون إلى الإستغناء عن دولاراتهم. فالأزمة ما زالت على حالها، وانعكساتها ما زالت تطال كافة القطاعات إن لناحية شح الدواء والغذاء وتقنين الكهرباء وأزمة المحروقات والنقل ومعاناة المستشفيات وتعثر القطاع التعليمي، كما أن الحكومة لم تباشر القيام بأية مهمات إصلاحية بعد ولم يتحسن أيّ مؤشر اقتصادي أو نقدي أو مالي، ما يعني أن انخفاض سعر الصرف لم يستند على معطيات اقتصادية صحيحة، بل هو مجرّد فقاعة وهمية لعبت على الوتر النفسي لدى المواطنين من أجل سرقة دولاراتهم بأبخس الأثمان، ليتوقف بعدها انخفاض الدولار ويعاود إرتفاعه مجدداً متأرجحاً اليوم بين 14 ألف ليرة و 16 ألف ليرة ، الأمر الذي يتطلب من المواطنين ضرورة أخذ الحيطة والحذر قبل اللجوء إلى بيع دولاراتهم.
من المؤكد أنه لا يمكن التنبؤ بمسار الدولار الذي يبقى عرضة للإرتفاع والهبوط في أي وقت تبعاً للظروف والأجواء السياسية السائدة، وهو يتوقف على أداء الحكومة المنتظر في كيفية التعامل مع الأزمة الإقتصادية والخروج منها خاصة أزمة المحروقات المستفحلة مع اتخاذ قرار رفع الدعم عنها، وعلى نجاحها في كسب الثقة الداخلية والخارجية والحصول على المساعدات المالية وإعادة إحياء المفاوضات مع صندوق النقد الدولي والتوصل إلى اتفاق معه لا سيما لناحية تحرير سعر صرف العملة الوطنية وتوقف المصرف المركزي عن تحديده بشكل مباشر. هذا وتشير التوقعات إلى أنه في حال نجاح الحكومة في تحقيق هذه المهمات من دون أي تعقيدات، فمن الطبيعي أن تتجه الأمور تلقائياً نحو الإيجابية التي ستنعكس مباشرة على انخفاض سعر صرف الدولار واستقراره عند مستويات متدنية. أما في حال الفشل، فسيعاود سعر الصرف التحليق مجدداً وبوتيرة تصاعدية من دون أي رادع.
أمام كل هذه الأجواء الضبابية، يبقى الدولار سلاح قوي في يد من يحركه حيث يُلجأ إلى استخدامه كورقة ضغط رابحة عند كل استحقاق لتحقيق أهداف ومصالح مشبوهة يدفع فيها المواطن الثمن أولاً ويبقى الخاسر الأكبر والمتضرر الأوحد. ومن هذا المنطلق، على المواطنين أن يدركوا خطورة الإنخراط في لعبة إنخفاض الدولار الوهمية وعدم الإنجرار وراء سعر الصرف وتقلباته المصطنعة وأن لا يستغنوا بإرادتهم عن العملة الخضراء، فمن باعها اليوم لن يستطيع إعادة شرائها أو الحصول عليها غداً. لذلك، تريّثوا قليلاً قبل بيع دولاراتكم.
نذكركم انه بات بإمكانكم متابعة صفحة موقع Business Echoes على إنستغرام من خلال الضغط هنا والتي سيكون محتواها مختلفاً عن المحتوى الذي ننشره على صفحة فايسبوك.