سوليكا علاء الدين
خيّمت الأزمة الإقتصادية بظلالها الكارثية على كافة القطاعات الحيوية وألقت بأعبائها الثقيلة على كاهل اللبنانيين حتى أصبح النجاة من عواقبها أمراً شبه مستحيل يحتاج إلى أعجوبة أو معجزة في ظل غيبوبة تامة وإخفاق واضح للسلطة وأركانها في إيجاد حلول صارمة للخروج منها. فالأزمة تزداد سوءاً وتشتد تعقيداً يوماً بعد يوم، حيث يدفع بذلك اللبنانيون من جيوبهم وصحتهم ثمن تدهور عملتهم الوطنية التي خسرت نحو 90 في المئة من قيمتها، ليرزح أكثر من نصفهم تحت عبء خط الفقر بسبب عدم قدرتهم على تأمين قوتهم اليومي واحتياجاتهم الغذائية الأساسية في ظل تراجع الحد الأدنى للأجور من 450 دولار إلى حوالي 32 دولار في الشهر الواحد، وفقدان الكثير منهم لها كمصدر رزقهم الوحيد.
وفي الوقت الذي تتوالى فيه سبحة الإنهيارات الكارثية الواحدة تلو الأخرى، يدق القطاع الغذائي ناقوس الخطر مع إطلاق نقابة مستوردي المواد الغذائية نداء استغاثةٍ تناشد فيه المسؤولين بالإسراع في إنقاذ القطاع وتلبية إحتياجاته من المحروقات كالبنزين والمازوت لتأمين القدرة على استمرارية العمل محذرة من أن أمن اللبنانيين الغذائي بات بخطر. وهو ما أكّد عليه تقرير منظمة الأمم المتحدة للطفولة "اليونيسف"، الذي أشار إلى أن 77 في المئة من الأسر اللبنانية لا تملك ما يكفي من غذاء أو من مال لشرائه وأن 60 في المئة من الأسر تضطر إلى شراء الطعام عبر مراكمة الفواتير غير المدفوعة أو من خلال الإقتراض والإستدانة.
من جهة أخرى، حدّ تصاعد وتيرة الإنهيار الإقتصادي من إمكانية التجار على استيراد السلع والمواد الأولية الغذائية نتيجة أزمة الدولار والسيولة النقدية، ما أدّى إلى فقدان بعض المنتجات الغذائية الأساسية من الأسواق وإلى ارتفاع فاحش في أسعار السلع المتبقية، ناهيك عن عمليات التهريب والتخزين التي أسفرت عن تراجع ملحوظ في المخزون الغذائي. كما ساهم شح المحروقات في شلل الإمدادات الغذائية الرئيسية كالطحين والخبز وأصبح من الصعوبة وصول المواطنين إلى الأفران والمخابز، لتُشكل هذه التحديات مجتمعةً تهديداً صريحاً للمواطنين ولأمنهم الغذائي في ظل عدم قدرة لبنان على تأمين الإكتفاء الغذائي الذاتي لشعبه ومع انعدام أي استراتيجية تنموية أو خطة إنقاذية وغياب أي دور رقابي رسمي لمكافحة الإحتكار وضبط الأسعار.
وانطلاقاً من أن الأمن الغذائي هو جزء لايتجزأ من الأمن الوطني، فمما لا شك فيه أن تداعيات الأزمة الإقثصادية أثرت بشكل سلبي على الأمن الإجتماعي والغذائي للبنانيين وفرضت على معظم فئات المجتمع واقعاً جديداً أجبرت فيه العديد من الأسر إلى التعويض عن السلع المفقودة بسلع ليست من الصف الأول أو الإستغناء عن منتجات غذائية أساسية واستبدالها بمنتجات أخرى بجودة ونوعية أقل لكنها تتناسب مع قدرتهم الشرائية المتدهورة غير آبهيىن بخطورة ما يتناولونه على صحتهم. من هنا، تطرح علامات استفهام خطيرة حول سلامة الغذاء وصلاحيته ومدى توافر معايير الصحة والنظافة المعتمدة للمنتجات المتداولة سواء كانت محلية أو مستوردة في ظل غياب الرقابة والفحص الصحي والانقطاع المزمن للكهرباء وعدم الحصول على التبريد الكافي لكثير من المنتجات، الأمر الذي ينعكس تزايداً في حالات التسمم الغذائي وما يرافقه من تداعيات وخيمة على صحة المواطنين.
يرتبط حل مشكلة الأمن الغذائي بشكل جوهري بالحلول الإقتصادية والسياسية التي أصبحت أمراً ملحاً بعد أن طالت شظايا الأزمة كافة الجوانب الإجتماعية والإنسانية وباتت تهدد الوطن في وجوده وكينونته والمواطن في صحته وحياته في استنزاف ممنهج لمقومات عيشه ليدخل مرحلة الموت البطيء من الباب العريض. إن الخطر على الأمن الغذائي هو خطر مباشر على الأمن الوطني، وسلامة الوطن هي من سلامة شعبه، فكيف يكون الصمود لشعب في وطن يخاف فيه من فقدان رغيف الخبز ويشعر أنه محارب بلقمة عيشه؟
نذكركم انه بات بإمكانكم متابعة صفحة موقع Business Echoes على إنستغرام من خلال الضغط هنا والتي سيكون محتواها مختلفاً عن المحتوى الذي ننشره على صفحة فايسبوك.