شهد لبنان نهاية الأسبوع الماضي تصنيفات إئتمانية دقت ناقوس الخطر بشأن المخاطر السياسية والاقتصادية والمالية التي يواجهها.
فقد قررت وكالة فيتش (Fitch Ratings) للتصنيف الإئتماني خفض تصنيف لبنان مرتبة واحدة من ـ-Bـإلى CCC.
أما وكالة ستاندرد أند بورز فقد منحت فترة سماح جديدة للبنان واقتصاده، مبقية تصنيفها عندـ-Bـمع نظرة سلبية من دون تخفيض التصنيف إلى درجة CCC.
فهل هي فترة سماح سياسية أم اقتصادية أم الاثنتين معاً؟
مما لا شك فيه أن تصنيف كل من الوكالتين يعكس مدى العجز المالي والخارجي في لبنان مع ارتفاع مستوى الدين العام الذي من المتوقع أن يصل إلى 130% من الناتج المحلي الإجمالي عام 2019، وهو في المرتبة الرابعة بعد فنزويلا واليونان واليابان.
تقرير وكالة ستاندرد أند بورز كان حازماً وحاسماً وبين سطوره يخفي العديد من الاشارات السلبية التي لا بديل عن إيجاد حلول جذرية لها. فقد حذرت الوكالة من تراجع ثقة المستثمر في لبنان بشكل كبير، ومن تراجع احتياطات النقد الأجنبي في النصف الأول من 2019.
كما رجحت إستمرار حالة الحذر لدى المودعين غير المقيمين والمستثمرين الأجانب لا سيما في حال لم تستطع الحكومة التغلب على الخلافات السياسية وتنفيذ الإصلاحات الهيكلية من أجل تقليل الفجوة في الميزانية وتحسين النشاط التجاري.
كما توقعت الوكالة إستمرار انخفاض احتياطات المصرف المركزي من العملات الأجنبية، إلا أنها ستظل كافية لتمويل متطلبات الاقتراض الحكومي والعجز الخارجي للبنان خلال الــ 12 أشهر القادمة والتي تقدر بحوالي 19 مليار دولار في نهاية العام 2019.
كما توقعت اعتماد مصرف لبنان على احتياطي العملات الأجنبية لتمويل استحقاق سندات اليورو euro bonds بقيمة 1.5 مليار دولار وبقيمة مليار دولار للـ coupon payment.
وبحسب التقرير الصادر عن الوكالة، فإن الانقسامات الطائفية العميقة في النظام السياسي اللبناني، إلى جانب المخاطر الأمنية الإقليمية العالية، من المرجح أن تؤثر سلباً في عرقلة تنفيذ الإجراءات ووضع السياسات الملائمة.
وبالرغم من ذلك، تبقى الإصلاحات المالية والاقتصادية المفتاح الوحيد لوقف التدهور في المالية العامة وفي مخزون العملات الأجنبية.
وقد أشارت ستاندرد أند بورز في هذا الإطار إلى توقعاتها بأن يظل النمو ضعيفاً، إلا أنه سيتحسن تدريجياً إلى 2.2 في المئة بحلول عام 2022 بدعم من برنامج الاستثمار الحكومي وتزامنا مع تخفيف حدة التوترات في سوريا.
مصرف لبنان: صمام أمان المرحلة المقبلة
يلعب مصرف لبنان دوراً هاماً في توجيه سياسات الاقتصاد الكلي والسياسية المالية العامة التي تساعده في تمويل عجز الميزانية.
وقد عمل المصرف وإن على فترات زمنية طويلة على رسملة العائدات التي حققتها البنوك من الهندسة المالية في العام 2016 وعدم توزيعها، ما ساعد على رفع ملاءة المصارف إلى نحو 16 في المئة، وهي نسبة أعلى بكثير من تلك المحددة ضمن المعايير الدولية بحسب بازل عند 8 في المئة.
إلا أنه وبالرغم من كل هذه التطمينات والخطوات المتخذة للحد من أي تداعيات محتملة، يبقى السؤال الذي يطرح نفسه في المرحلة القادمة "هل سيكون مصرف لبنان على موعد جديد مع مرحلة من الإجراءات واستخدام المزيد من الأدوات المتاحة لدعم النظام المصرفي وضمان الاستقرار المالي لا سيما في حال حدوث أي ضائقة مفاجئة في السوق أو أي ضغط قد يؤثر على حركة رؤوس الأموال في المصارف اللبنانية؟ وهل سيلجأ حاكم مصرف لبنان إلى إصدار تعاميم جديدة لإبقاء ملاءة المصارف اللبنانية فوق الــ 12 في المئة؟".
ما الذي يتوجب فعله في الأشهر الستة القادمة؟
ستواجه الحكومة مهمة صعبة تتمثل في معالجة القضايا المالية والاقتصادية وفي منح مؤشرات إصلاحية على المدى القصير تحسن من ثقة المستثمر الأجنبي واتخاذ خطوات موثوقة من أجل تدعيم القطاع المالي. وتشمل الإجراءات الحكومية الموافقة على خطة خفض العجز المالي في عام 2019، وتنفيذ خارطة الطريق لإصلاح قطاع الكهرباء، إلى جانب وضع اللمسات الأخيرة على ميزانية 2020 قبل نهاية هذا العام والتي بحسب الحكومة اللبنانية ستشمل تغييرات كبيرة في نظام التقاعد والقطاع العام والجمارك وقوانين التهرب الضريبية.
وبالرغم من أن هذه الإجراءات تعد إجراءات لا شعبوية بامتياز إلا أن تحقيق جزء منها كاف لصرف بعض أموال مانحي مؤتمر سيدر لتمويل مشاريع البنية التحتية.
ختاماً، شكل صدور تقرير ستاندرد أند بورز ورقة ضغط على الحكومة اللبنانية والجهات المالية النافذة، ما دفع بها إلى اتخاذ العديد من الخطوات والتصريحات الاستباقية من أجل التخفيف من وطأة هذا التقييم وبث أجواء من الإيجابية والتفاؤل لجهة قدرة المصارف اللبنانية على التعامل معه بشكل يحافظ على ملاءتها وسيولتها واستمرار عملياتها المالية بشكل طبيعي، ولعل أبرزها الإجراءات التي اتخذها مصرف لبنان لحماية القطاع المالي من خفض المخاطر السيادية.
وقد أظهرت الحكومة بعض الاستعداد لمعالجة الوضع المالي الضعيف، من خلال ميزانية 2019 التي وبحسب ستاندرد أند بورز جاءت أكثر صرامة مما كان متوقعاً، إلى جانب تخفيض العجز المالي على مدى خمس سنوات والذي يعد واحداً من الشروط الرئيسية للافراج عن الـ 11 مليار دولار المقدمة من الجهات المانحة التي تم التعهد بها في مؤتمر سيدر في نيسان 2018، وهو أمر بالغ الأهمية من أجل استعادة ثقة المستثمر الأجنبي في لبنان.
إذا، أمام لبنان مرحلة جديدة عناوينها واضحة لا لبس فيها تتمحور حول:
-
إقرار موازنة عام 2020 في مواعيدها الدستورية والالتزام بتطبيق موازنة 2019 وخفض نسبة العجز من 7.6 في المئة في الموازنة الحالية إلى 6 في المئة في الموازنة القادمة.
-
إنطلاق خطة الكهرباء والاسراع في تنفيذها والالتزام الكامل بكافة بنودها.
-
الحد من توتر الأجواء والتقلبات السياسية التي تؤخر تنفيذ السياسات الإقتصادية.
هل سيبقى لبنان قاصرا على تحسين أوضاعه المالية والاقتصادية؟ وهل نحن بحاجة إلى اجتماع بعبدا آخر؟ وهل ستعتمد الحكومة فقط على مصرف لبنان من أجل إنقاذ ما تبقى من اقتصاده، علماً أن المصرف لا يستطيع أن يتحمل وحده كافة المسؤولية؟
أسئلة ستحمل الأشهر القليلة القادمة أجوبة علها تكون إيجابية وعلى قدر المسؤولية لا سيما أن الجميع يدرك تداعيات تصنيفات هذه الوكالات على أسعار السندات ونسبة الفائدة وخدمة الدين العام وهروب الودائع وارتفاع كلفة الاستدانة.
هدى علاء الدين لموقع Business Echoes
نذكركم انه بات بإمكانكم متابعة صفحة موقع Business Echoes على إنستغرام من خلال الضغط هنا والتي سيكون محتواها مختلفاً عن المحتوى الذي ننشره على صفحة فايسبوك.