إفتتح حاكم مصرف لبنان رياض سلامة الملتقى الثالث لمكافحة الجريمة الالكترونية في بيروت، بحضور نحو 500 شخصية تمثّل الاجهزة القضائية والأمنية وممثلي الوزارات والمؤسسات الحكومية المعنية، والمرجعيات القانونية بالإضافة إلى المصارف والخبراء المصرفيين من لبنان والعالم، وممثلي شركات المعلوماتية المتخصصين في مكافحة الجريمة الالكترونية.
وتنظم الملتقى مجموعة الاقتصاد والأعمال بالتعاون مع هيئة التحقيق الخاصة لدى مصرف لبنان ومكتب مكافحة الجرائم المعلوماتية وحماية الملكية الفكرية لدى المديرية العامة لقوى الأمن الداخلي.
وقال سلامة أنّ منع استعمال الـ بتكوين Bitcoin في لبنان والعملات الافتراضية الأخرى كوسيلة دفع، جاء لأنها سلع وليست عملات ترتكز على المعطيات أو القواعد التي نعرفها لخلق الثقة في العملة.
وأضاف: "صحيح أنّ أسعارها ترتفع ولكن نجهل سبب ذلك، وصحيح أنّ استخدامها ينتشر ولكن نجهل مستخدميها. فما يهمّنا للمحافظة على الثقة، هو أن تكون العملة الرقمية صادرة عن البنك المركزي، وسنتوصل إلى ذلك تدريجيا".
وتحدث في جلسة الافتتاح كل من سلامة، المدير العام لقوى الأمن الداخلي اللواء عماد عثمان، أمين عام هيئة "التحقيق الخاصة لدى مصرف لبنان" عبد الحفيظ منصور ونائب الرئيس التنفيذي لمجموعة الاقتصاد والأعمال فيصل أبو زكي.
وأضاف سلامة ان المؤسسات المالية عامة والمؤسسات المصرفية خاصة، تواجه تحديات ناجمة عن إرادة دولية لإنقاذ العولمة المالية التي تعرّضت إلى مخاطر كبرى بعد الأزمة العالمية المالية سنة 2008. فقد شهدنا حينها نوعاً من التوجه والاختلاف في طريقة التعاطي، أكان على صعيد المصارف المركزية العالمية بحيث اختلف التوجه في إدارة السياسات النقدية من حيث تحريك الفوائد، أو على صعيد القطاع المصرفي، إذ دخلنا في عصر حرب على العملات من أجل تفعيل الاقتصاد.
ولفت الى ان العناوين الكبرى التي عالجتها المؤسسات الدولية المسؤولة عن النظام المالي العالمي، تتمحور حول عدة مواضيع، من أهمّها مقررات بازل 3 التي وضعت أسسا جديدة للمعايير المتعلقة برسملة المصارف، إضافة إلى أنظمة محاسبية دولية صارمة، واهتمّت بحماية المستهلك أو المتعامل مع القطاع المصرفي والمالي.
وتقوم اليوم أميركا وأوروبا بإصدار قوانين وتعاميم كثيرة تهدف إلى حماية كل من يتعاطى مع المؤسسات المصرفية أو الشركات المالية.
وقد فرضت الهيئات الرقابية الموجودة في العالم غرامات تخطّت 140 مليار دولار على المؤسسات المصرفية لتصحيح مسارها. أما التوجه الآخر المهمّ، فهو التعاطي مع العمليات أو الأموال المشبوهة. فقد تمّ وضع أسس ومعايير دولية تخوّل القطاع المصرفي والمالي عامةً، مكافحة دخول الأموال غير الشرعية إلى المؤسسات المالية.
قد تهدف هذه الأموال إلى تبييض الأموال، أو تمويل الإرهاب أو التهرّب من دفع الضرائب. و كان للبنان موقفا متقدما في هذا المجال، بحيث أقرّ مجلس النواب والحكومة اللبنانية عدة قوانين سمحت للبنان الالتزام بالتوجهات الدولية. آخرها كان إقرار مسؤولية على المصارف لإبلاغ وزارة المالية بكل ما يتعلق بالتهرب الضريبي.
وختم قائلا: "نحن نواجه اليوم الجرائم الإلكترونية ولكن على هذه المواجهة ألا تكون فردية فقط، أي على صعيد كل دولة على حدى. ففي عمليات القرصنة اليوم، إذا خرجت الأموال إلى دولة أخرى، وإذا لم يكن هناك تعاون يفرضه القانون، وإذا قام المصرف باستلام أموال مسروقة وتحويلها، تعتبر العملية ناجحة وتكون هذه الأموال قد ضاعت ومن الصعب إعادة تحصيلها. من هنا، يؤكّد مصرف لبنان في جميع الاجتماعات الدولية التي يشارك فيها أنّ إحدى الوسائل لمكافحة الجرائم الإلكترونية هي وجود قوانين تسمح بالتعاطي والتعاون بين المصارف في هذا المجال.
وبهذه الطريقة، لا يستفيد الشخص الذي يقوم بعملية السرقة من الأموال المسروقة. هذا الجهد يتطلب وقتا ولا يستطيع لبنان القيام به وحده، بل يستطيع أن يساهم على الصعيد الدولي بالتوعية والتطوير في هذا المجال. من ناحية أخرى، نحن نترقّب كل تقدم سريع من قبل مرتكبي الجرائم الإلكترونية ونحاول القيام بالتوعية على صعيد قطاعنا.
من الواضح أنّ هذه المهمة صعبة، إذ شهدنا عمليات قرصنة على حكومات ومصارف مركزية ومكاتب محاماة. هذه العمليات كافة طالت مؤسسات لديها الوقاية والحماية اللازمة. وهناك عمليات قرصنة أخرى نجهلها سيما وأن المؤسسات لا تفصح عنها لتضمن حمايتها.
ولم يشهد مصرف لبنان أي عمليات قرصنة، وذلك بفضل تدابير الحماية التي وضعها. وهو يتخذ الوقاية اللازمة عبر الطريقة التقليدية، بحيث نقوم بإقفال نظامه عند اللزوم".
وتحدث اللواء عماد عثمان، فقال أنه من ضمن الجهودِ المبذولة لمكافحة الجريمة الالكترونية بدأ العمل على إنشاءِ لجنة "طوارئ الكومبيوتر" (CERT Computer Emergency Response Team) وقد بدأنا بها في المديريّةِ العامّةِ لقوى الأمنِ الداخلي؛ للحدِّ مِنَ المخاطرِ السيبرانيةِ، وتأمينِ وسائلِ الحمايةِ، ووضعِ خطّةِ طوارئ.
والأمرُ يصبحُ أشدَّ خطورةً، عندما تتوخّى الاعتداءاتُ والاختراقاتُ، تحقيقَ أهدافٍ سياسيّةٍ، كما يحصلُ لدى استهدافِ مجموعاتٍ متطرّفَةٍ، أو إرهابيةٍ لمواقعَ رسميةٍ، أو لمواقعِ إدارةِ البنى التحتيّةِ والخدماتِ العامّة.
وأضاف: "الجريمةُ السيبرانيّةُ باتَتْ تقضُّ مضاجعَنا؛ لتستهدفَ الشبابَ والكبارَ والأطفالَ.كما أنَّ عصاباتِ الجريمةِ المنظمةِ قد استغلّتْ عولمةَ تبادلِ رؤوسِ الأموالِ وسائرِ الخدماتِ المصرفيةِ الإلكترونية؛ لفتحِ مساراتٍ جديدةٍ للاحتيالِ المالي، وتطوّرَتْ أساليبُهم، وأصبحَ لديهم القدرةَ على التخفّي، وبخاصّةٍ بعدَ استخدامِهم متخصّصين في التكنولوجيا والقرصنة.في المقابلِ، تولي قوى الأمنِ الداخلي مكافحةَ الجرائمِ المعلوماتيةِ والإلكترونية أهمّيّةً خاصّةً، وهي لا تألو جهدًا في تعزيزِ قدراتِها البشرية، وفي امتلاكِ التقنيّاتِ المتطوّرةِ على هذا الصعيد".
وأضاف: "جهودَنا لا تقفُ عندَ حدودِ الجريمةِ الإلكترونيةِ، إنّما تنصبُّ أيضًا في مكافحةِ مختلفِ الجرائمِ، ولا سيّما، في الوقتِ الراهنِ، الجرائمِ الإرهابيةِ،فالإرهابُ ينمو في العقولِ؛ ليُبطلَ عملَ القلوبِ، ويتفجّرَ حقدًا وكرهًا للبشريةِ جمعاء، حاصدًا آلافَ الضحايا الأبرياءِ في دولِ العالمِ أجمع، ومن دونِ تمييز. لكن إرادتُنا الصلبة، وجهوزيّتُنا البشريّةُ والتقنيّة، مكّنتنا في مناسباتٍ عديدةٍ من التصدّي استباقيًّا لجرائمَ، فيما لو حصلَتْ لكانتْ نتائجُها كارثيةً،سواء أكان من جهةِ عددِ الضحايا الأبرياءِ، أم من جهةِ زعزعةِ الاستقرارِ الأمنيِّ في لبنان.ولكنَّ هذا الأمرَ، ليس كافٍ وحدَه – على الرغمِ من الإنجازاتِ الاستثنائية- للحدِّ من خطرِ الإرهابِ وتمدّدِه في المدى البعيد؛ فكان لا بدَّ لنا في قوى الأمنِ الداخلي من مقاربةِ هذا الموضوعِ منَ الناحيةِ الاجتماعية".
بدوره قال أمين عام هيئة "التحقيق الخاصة لدى مصرف لبنان" عبد الحفيظ منصور: "ان السنوات الماضية شهدت انتشاراً متزايداً في استخدام شبكة الإنترنت، ونموّاً في حجمِ التعاملات التجارية المنفذة عبرها، وباتت المصارف وغيرها من المؤسسات تعتمد الشبكة كوسيلة اتصال أساسية مع عملائها.إلا أن هذا الإنتشار المتزايد للتعاملات الالكترونية أدّى إلى بروز ظواهر سلبية عديدة تندرج تحت عنوان الجريمة الإلكترونية وعمليات الاحتيال والقرصنة ذات الصلة.
وتطوّرت أساليب الجرائم الإلكترونية مع تزايد مستخدمي الشبكة لتصبح أكثر تعقيداً وانتشاراً، ملحقةً أضرار كبيرة بالافراد والشركات والمؤسسات الحكومية والدول على حدّ سواء.
وبحسب احصاءات البنك المركزي الاوروبي تبيّن أن 70 في المئة من مسؤولي المصارف يعتقدون بأن الاخطار الالكترونية تتزايد، وافاد 48 في المئة منهم بان هجوماً محتملاً على مؤسستهم قد يضرب المنظومة الالكترونية في المؤسسة. وعلى الصعيد الدولي فقد تصدّر هذا الموضوع أعمال عدّة منظمات دولية، من بينها أعمال الجمعية العامة للإنتربول في دورتها الـ 86 التي عُقدت في شهر سبتمبر 2017".
وأضاف: "في العام 2014 شهدنا في لبنان تزايداً ملحوظاً في قضايا الجرائم الالكترونية الناتجة عن البريد الالكتروني المزوّر تعرضت له العديد من المصارف والافراد على حد سواء. وبعد تحليلٍ ودراسة مستفيضة للأنماط المستعملة تبيّن أن سبل المكافحة المباشرة صعبة للغاية، وان الوقاية من هذه الجرائم من خلال رفع مستوى الوعي لأنماطها وأساليبها قد تكون أفضل سبل العلاج".
وحول تطور الوضع في مجال مكافحة الجريمة الالكترونية خلال السنوات الماضية، قال: "خلال العام الماضي، تبين لنا تراجعاً في عدد حالات الانخداع بواسطة البريد الالكتروني التي تتعرض لها المصارف، فقد تراجع عدد الانتهاكات من 78 حالة في العام 2016 الى 32 حالة في الأشهر التسعة الاولى من العام 2017.الا انه بالمقابل لم نر تراجعاً مماثلاً في الحالات التي يتعرض لها الافراد للخديعة بواسطة الرسائل الالكترونية المزوّرة، فقد زادت تلك الحالات من 47 في العام 2016 الى 90 حالة في الأشهر التسعة الاولى من العام 2017.
تجدر الاشارة الى ان الارقام الاجمالية لحالات القرصنة بواسطة البريد الالكتروني أخذت تشهد تراجعاً في نسب زيادتها فبعد ان وصلت نسبة الزيادة الى 525 في المئةفي فترة عامي 2013/2014 تراجعت الى ما نسبته 66 في المئة في فترة 2014/2015 والى 51 في المئة في فترة 2015/2016، وهذا مؤشر على أننا على الطريق الصحيح للحد من انتشار هذه الجرائم ومكافحتها بشكل فعال"
أما أبو زكي، فقال: "نُرَحِبُ بِكم في الدورةِ الثالثة ومن دواعي سُرورِنا أن نَشهدَ هذا التنامي المُستمِر في عددِ المُشاركين والذي فاق الـ 500، وهو ما يَشهد على الوعي المُتزايدِ لدى المصارفِ والمؤسساتِ والاجهزةِ القضائية والأمنية اللبنانية حول مخاطرِ الاختراقِ الرقمي والجريمةِ الإلكترونية على مصالحِها الحيوية".
وتابع فقال: "إن موضوعَ هذا الملتقى يَتعَلَقُ بِمُكافحةِ الجريمةِ الالكترونية وأكثرُ مَوضوعاتِه تَدورُ حولَ الوِقايةِ مِنها بالدرجةِ الأولى وذَلك وِفقَ الحِكمَةِ القائلة "دِرهَمُ وِقاية خَيرٌ مِن قِنطارِ عِلاج" لأن الأضرارَ التي تَنجَمُ عن الجرائمِ الإلكترونية تكونُ أحيانا فادحة، والذي يُقررُ مدى فداحةِ الضرر هو مدى إهمالِ التعامُلِ مع الموضوعِ باعتِبارِه أولويةً لا تَقُلُ أهميةً عن الأولوياتِ الأخرى المُؤثرة في بقاءِ المؤسسات واستمراريتِها.
لذلك فإن على المؤسسات أن لا تنظرُ للاستثمارِ في هذا الجانب كما لو أنه أمرٌ اختياري أو تكلفةٌ يُمكنُ تَجاوزُها أو تأجيلُها، لأنها قد تنتهي بتَكبُدِ خسائرَ تَفوقُ بأضعافٍ كِلفةَ التزودِ بالحِماياتِ الضروريةِ ووضعِ سِياساتٍ فعالة للوقايةِ من الاختراقاتِ وعملياتِ الاحتيال المالي والقرصنةَ".