شارك وزير الإتصالات بطرس حرب على رأس وفد من الوزارة في مؤتمر "التقنيات الرقمية في خدمة التنمية الإقتصادية في منطقة المتوسط"، تلبية لدعوة البنك الدولي، في حضور وزراء وشباب وممثلين للقطاع الخاص ووكالات التنمية من ضفتي البحر الأبيض المتوسط وقنصل لبنان العام في مرسيليا هالة كيروز.
وضم الوفد المدير العام للصيانة والاستثمار رئيس هيئة أوجيرو الدكتور عبد المنعم يوسف، رئيس هيئة مالكي الخليوي المهندس ناجي عبود والمهندس الدكتور وليد كرم.
وأهم الاستنتاجات من الحوار الإقليمي الذي عقد في فيلا ميديتيرانيه في مرسيليا برعاية البنك الدولي، الوكالة الفرنسية للتنمية ومركز التكامل المتوسطي هو أن الاستثمار في التقنيات الرقمية يتيح خلق فرص عمل للشباب في منطقة البحر الأبيض المتوسط ويعزز فرص إدماجهم. فالتقنيات الرقمية تشكل قوة دافعة للتنمية الاقتصادية في منطقة البحر الأبيض المتوسط.
فلقد أثبتت التقنيات الرقمية قيمتها التنموية المهمة على الصعيد الدولي، من حيث النمو وفرص العمل، وتقديم الخدمات. وأفاد الوصول إلى التقنيات الرقمية فئة الشباب بصورة خاصة، الإناث والذكور منهم على حد سواء. كذلك سمحت التقنيات للشباب بإيجاد فرص العمل المناسبة أو حتى بخلقها، كما وبتأسيس الشركات الناشئة، وبناء شبكات مهنية وتعزيز قدراتهم. أي أن التقنيات الرقمية دعمت إشراك الشباب وشكلت فرصة مهمة لكسر الحواجز القائمة بين الجنسين.
أما في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، فلا يزال السير بطريق التقنيات الرقمية بطيئا على الرغم من وجود إمكانيات مهمة في المنطقة على هذا الصعيد. من الجدير ذكره أيضا أن المنطقة تعاني من أعلى نسبة بطالة شبابية في العالم وتشكل فئة الشباب لديها، الذين يقل عمرهم عن 25 سنة، ما يقارب نصف العدد الإجمالي للسكان. غير أن العديد من بلدان الشرق الأوسط وشمال أفريقيا قد ايقنوا أهمية التقنيات الرقمية ودورها الحاسم لدعم جهودهم للحد من الفقر وخلق فرص عمل، والتي تطال بشكل مباشر فئة الشباب.
وكان السؤال الأبرز: ما هي الخطوات التي ينبغي على الحكومات ووكالات التنمية، والقطاع الخاص اتخاذها لإطلاق الطاقات الرقمية الكامنة في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا؟
واختتم المؤتمر عبر جلسة وزارية قدمت من خلالها التجارب المحلية الناجحة، وأتبعت بنقاش بين الوزراء والشباب والخبراء المشاركين، وتحدث خلالها حرب عن لبنان، فألقى كلمة دعا فيها الشركات العالمية للافادة من الظروف المؤاتية والإستقرار المالي والسياسي للاستثمار في لبنان والإفادة من موقعه الجغرافي الاستراتيجي والمناخ الإستثماري الذي يزخر بالمواهب الشابة ووجود بنية تحتية مناسبة للتطور. وقال: "أود في البداية أن أعبر عن كامل سعادتي بوجودي معكم اليوم، خصوصا بعيد انتخاب رئيس جديد للبنان هو الرئيس الثالث عشر للجمهورية اللبنانية منذ استقلال بلدنا".
أضاف: "إن ادارة قطاع الاتصالات في لبنان لا تزال حصرا بيد الدولة في لبنان، فالبنى التحتية للاتصالات الثابتة والخلوية، فضلا عن الإتصالات الدولية وخدمات الإنترنت هي مملوكة بالكامل من الدولة اللبنانية. وهناك عدد كبير من شركات مزودي خدمات الإنترنت يعملون تحت إشراف ورقابة وزارة الاتصالات، التي توفر لهم السعات الدولية والبنى التحتية بحسب القوانين المرعية، وتسهر على ضمان حصول المواطنين على جودة عالية لهذه الخدمات".
وتابع: "ان الثورة الرقمية التي يمر بها العالم تغوي شبابنا، كما شباب بلدان أخرى عديدة، لاختيار دراسات تتكيف معها، ثم يقومون بالإستثمار في شركات التكنولوجيا الحديثة، أو يهمون لأخذ زمام المبادرة لإنشاء مؤسسات جديدة من أجل جني أرباح سريعة يجلبها هذا القطاع في امكانياته الواسعة. بالتالي، أصبح هذا القطاع الضروري والحيوي في لبنان أحد أبرز أعمدة الإقتصاد، ومصدرا للايرادات الأساسية للخزينة".
وقال: "لدى تسلمي زمام المسؤولية في وزارة الإتصالات في أواسط شباط 2014 قمت بدراسة وتقييم مدى التحديات والمسؤوليات الملقاة على عاتقي، وبدأت باتخاذ إجراءات تهدف أولا إلى دمقرطة الحصول على خدمات الإنترنت عن طريق خفض الأسعار، وثانيا الى معالجة المشاكل التقنية في البنى التحتية للشبكة المحلية وفقا لخطة خمسية أعلنت عنها في الأول من تموز من العام المنصرم، والتي تلحظ خططا تنفيذية تستمر حتى عام 2020، إلا أننا، وبفضل إدخال تكنولوجيات جديدة، سوف نقوم باستكمال 75 % من خطة الألياف الضوئية FTTO و 35 % من خطة FTTH بحلول نهاية عام 2017. نتيجة لذلك، أصبح قطاع تكنولوجيا المعلومات والاتصالات في لبنان ديناميكي للغاية، ماض في مسيرة تحديث البنية التحتية والخدمات والعروض التجارية. والوقت هو للعمل وعدم الانتظار، ولدينا مسؤولية انماء اقتصادنا، على الرغم من الأزمة السياسية والدستورية التي جمدت الإدارة لوقت طويل".
أضاف: "ان استراتيجية العمل التي وضعت، مبنية على قناعتي العميقة أن قطاع تكنولوجيا المعلومات والاتصالات هو محرك النمو الاقتصادي ولا يمكن النظر اليه فقط كمصدر للدخل وتنمية خزينة الدولة. الوضع "الريعي" هذا لا يمكن أن يستمر، فكان من الضروري إجراء تغييرات جذرية في استراتيجية العمل التي كانت سائدة سابقا. ان العديد من الإجراءات والمبادرات في البلاد تجتمع لخلق نظام بيئي متكامل. ان هذه الإجراءات والمبادرات، بشكل فردي، لديها بالفعل نطاق كبير، أما إذا عملت مجتمعة، فمن شأنها رسم استراتيجية تنمية اجتماعية واقتصادية لمستقبل لبنان، يبرز من خلالها على الصعيد العربي والإقليمي، كما أيضا على الصعيد الدولي. هناك العديد من الأمثلة التي تظهر لنا كل يوم لتؤكد أن كل شركة جديدة ناشئة في لبنان تحمل في جيناتها عناصر نجاح عالمية. ان كل تخطيط واجراء استراتيجي ينبغي أن يأخذ في الإعتبار هذا البعد، ومن الملاحظ بشكل خاص أن روح المبادرة في لبنان نشطة جدا والثقافة تفيض خارج حدودنا: الإبداع والابتكار في بعض القطاعات قد غزا العالم".
وتابع: "ان أول عمل ملموس قمت به بعد تولي وزارة الإتصالات كان خفض كلفة المكالمات الثابتة والمتنقلة، وكذلك خدمات الإنترنت من أجل إضفاء الطابع الديمقراطي للوصول إلى المعلومات. هذا العمل ثبت للمشككين في حينها أن هذا القطاع هو حيوي، بحيث ارتفعت الإيرادات وفق توقعاتنا "المتفائلة"، مؤكدين بذلك النظرية التي تقول بأن التكنولوجيا الجديدة هي مصدر للنمو الاجتماعي والاقتصادي. ازاء هذا الواقع، ابتدأت على الفور بإتخاذ سلسلة من الإجراءات لتطوير شبكة DSL في لبنان من حيث التغطية والسرعات المطلوبة. فكما ذكرت سابقا، كنت أعمل في الوقت نفسه على وضع خطة استراتيجية تهدف الى جعل لبنان بلد الإتصالات الحديثة من خلال تطوير البنية التحتية ومد شبكة الألياف البصرية، وتوفير فرصة للانتقال من دور "المستهلك" والمستورد للتكنولوجيا الى دور "المنتج" والمصدر لها".
وقال حرب: "تم الإعلان عن رؤية الإتصالات الرقمية - لبنان 2020 في الأول من تموز عام 2015 وتتضمن مكونين أساسيين: في قطاع الهاتف الخلوي، يتم نشر الجيل الرابع LTE +4G بحسب الخطة الموضوعة لها، وسوف تكون متوفرة على كامل الأراضي اللبنانية بحلول نهاية هذا العام. أما بالنسبة لقطاع الهاتف الثابت، فالخطة تهدف لنشر شبكات الألياف الضوئية في جميع أنحاء البلاد وتوفير خدمات "الحزمة العريضة" لشركات الأعمال والوحدات السكنية، كل حسب احتياجاته. الا أنه، وبعد بروز تكنولوجيات وتقنيات جديدة كالألياف البصرية الهوائية، تمكنا من تعديل على خطة العمل للتعجيل في التنفيذ، بحيث أننا لن ننتظر الى عام 2020 للانتهاء من تنفيذها. فقد قمنا بتحديث برنامج عمل الخطة بحيث أننا سوف نقوم بنشر البنى التحتية للألياف الضوئية لتلبية 35 % من احتياجات FTTH و 75 % من احتياجات FFTO".
أضاف: "العام 2020، سوف يتم تحقيق هدفنا في استكمال توصيل شبكات الألياف الضوئية على كامل مساحة الوطن، وهو ما لم يقم به اليوم أي بلد آخر في العالم. ويرافق عمليات تجهيز البنية التحتية هذه عملية تخفيض التعرفة وحزم الخدمات التي تقدمها الوزارة بحيث تتكيف مع السعات الجديدة المطروحة في هذه الخطة. كما أنه لم توضع عوائق أمام شركات الإتصالات العالمية للعمل داخل لبنان، أو للبنانيين للعمل والتألق في الأسواق العالمية. ان خطتنا الطموحة هذه تسعى إلى تحويل لبنان "بلدا ذكيا"، ما يخلق له فرصة فريدة ليصبح مركزا للتكنولوجيا في الشرقين الأدنى والأوسط، ويتماشى مع دورنا التاريخي كبلد رائد في المنطقة. نعيش في زمن التغيرات الكبيرة من خلال الإنتشار السريع لتكنولوجيا المعلومات والاتصالات. لقد تقدمت بثلاثة مقترحات طموحة إلى مجلس وزراء الإتصالات العرب خلال اجتماعنا الأخير في أبو ظبي يومي 27 و 28 من تشرين الأول المنصرم ضمن أعمال الجلسة الأربعين للمجلس. وقد لاقت هذه المقترحات الثلاثة استحسانا جيدا للغاية، ويجرى حاليا صياغتها".
وتابع: "المقترح الأول هو إنشاء صندوق استثمار تعاوني عام وخاص لتكنولوجيا المعلومات والاتصالات في البلدان العربية، ودعم الشركات الصغيرة والمتوسطة المبتكرة في السنوات الأولى لإنشائها. المقترح الثاني، والذي اعتمد على الفور، يتعلق بإنشاء منتدى سنوي يرتبط بـ "انترنت الأشياء" - IoT والمدن الذكية - Smart Cities، ومقره بيروت. الجميع يعلم كيف يمكن لهذه التقنيات المبتكرة وذات الإمكانيات العالية خلق فرص العمل والمساهمة في التنمية الاقتصادية. خبراء العالم يتفقون على ذلك، حيث أن الأرقام المعلنة واعدة جدا وذات أهمية عالية، بالرغم من أنها تختلف في بعض الأحيان. أما اقتراحي الثالث، ويجري النظر فيه حاليا، يتعلق بأسعار التجوال - Roaming للمكالمات الهاتفية وبيانات الإنترنت بين الدول العربية بغية رفع بعض الحواجز المصطنعة، أسوة بما تم إنجازه داخل الاتحاد الأوروبي".
وقال وزير الاتصالات: "من ناحية أخرى، عمل البنك الدولي، بالتعاون مع فريق من الوزارة، منذ أوائل عام 2014 على مشروع النظام البيئي للانترنت النقال MIEP. والمشروع، الذي كان يفترض أن يمتد على فترة أربع سنوات، يهدف الى: أولا تعزيز أنظمة الإنترنت النقال في لبنان وخلق فرص عمل للمبدعين الشباب وذوي المهارات العالية والمساعدة على عكس الاتجاه المتصاعد للبطالة وخاصة بين الشباب والعنصر النسائي. ثانيا، تعزيز الابتكار وروح المبادرة وريادة الأعمال وزيادة عدد المشاريع وفرص العمل ودعم الشركات الصغيرة والمتوسطة في مجال الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات. ثالثا، تعزيز البيئة التمكينية لقطاع تكنولوجيا المعلومات والاتصالات لسد الهوة بين التعليم واحتياجات السوق ودعم الأطر القانونية والتنظيمية التي تسهل الابتكار. رابعا، بناء قدرات الخريجين المتخصصين في صناعة تكنولوجيا المعلومات والاتصالات".
أضاف: "لسوء الحظ، لم يبصر المشروع النور بسبب بطء آليات التشريع في غياب رئيس للجمهورية، ما أدى الى إلغائه من قبل البنك الدولي قبل أن يصادق عليه مجلس النواب اللبناني بفترة قصيرة. لذلك، ومن هذا المنبر، أدعو اليوم البنك الدولي والوكالة الفرنسية للتنمية ومركز التكامل المتوسطي لأخذ المبادرة مجددا لمساعدة لبنان في هذا المجال. على خط متوازن، أصدر مصرف لبنان في نهاية عام 2013 تعميما يحمل الرقم 331 الذي يسمح للمصارف والمؤسسات المالية بالمساهمة، ضمن حدود 3 % من أموالها الخاصة، في رسملة مشاريع ناشئة وحاضنات أعمال وشركات مسرِّعة للأعمال يكون نشاطها متمحورا حول قطاع المعرفة. والغاية التي يتوخاها مصرف لبنان من هذا التعميم هي تحريك آليات تأسيس شركات جديدة واعدة، يمكن أن تتحول مستقبلا الى شركات مساهمة قابلة لإغناء الثروة الوطنية، وتوفير فرص عمل جديدة".
وختم حرب: "تجدر الإشارة الى أنه في السنوات الثلاث الماضية، ظهرت مبادرات أخرى عامة وخاصة كلها تهدف إلى تطوير النظام البيئي لتكنولوجيا المعلومات والاتصالات في لبنان".
وفي ختام كلمته رد حرب على أسئلة واستفسارات الشباب والخبراء المشاركين. وتم التوافق في خلاصة الجلسة الوزارية على الأولويات: أولا، فرص العمل الرقمية ترتكز على المعرفة المكثفة والمهارات المتقدمة: لا يسمح تعزيز استخدام التقنيات الرقمية وحده بخلق فرص عمل للشباب.
فالأولوية هي للاستثمار في رأس المال البشري وتعزيز قدرات الشباب ومهاراتهم في ريادة الأعمال من خلال التعليم.
ثانيا الربط الرقمي هو حق للجميع: كي يستفيد الجميع في كل مكان من التقنيات الرقمية يجب القضاء على الفوارق الرقمية، خاصة على مستوى الإتصال بشبكة الإنترنت.
ثالثا النظر إلى الشباب كمقوم للمنطقة وليس كتهديد لها: هناك 200 مليون شاب وشابة في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا يشكلون فرصة ومقوما للمنطقة ولاقتصادها الرقمي.
رابعا الاستثمار في شبكات النطاق العريض فائق السرعة (UFB): تشير التقديرات إلى أن زيادة تغلغل خدمة النطاق العريض في البلدان النامية بنسبة 10% من شأنها أن تزيد نمو الناتج المحلي الإجمالي السنوي ب1.38%. وخامسا ضمان الأطر التنظيمية والقانونية: تحتاج البلدان أيضا إلى تعزيز الأطر التنظيمية والقانونية التي تضمن المنافسة بين الشركات، من خلال تكييف مهارات العمال لمتطلبات الاقتصاد الجديد، والتأكد من أن المؤسسات تخضع للمساءلة، إذ تروّج هذه الأطر لمناخ ريادي واستثماري إيجابي وتمكن الشركات الاستفادة من التقنيات الرقمية للمنافسة والابتكار.