أصبحت المنطقة المحظورة حول محطة تشرنوبيل النووية، والتي كانت أخليت عام 1986 بعد الانفجار المدمر، ملاذا للحياةالبرية على قدم المساواة مع المحميات الطبيعية.
ثلاثون عاماً مرت منذ وقع الحادث النووي في تشرنوبيل، ولا يزال العالم يتجادل حول التأثير الذي يخلفه الإشعاع على النظام البيئي المحيط بالمفاعل. ولكن مؤخرا قاد عالم من جامعةبورسموث بالتعاون مع علماء آخرين، دراسة الحيوانات في منطقة الحظر وكانت النتائج مذهلة.
فأياً كان تأثير الإشعاع على الحيوانات، يبدو أن تأثير التجمعات السكانية عليها كان أسوأ كثيرا، حيث ان مجرد الوجود المادي البسيط للبشر في مواطن الحيوانات أشد ضرراً عليها من الكوارث البيئية.
22 ألف شخص تم إجلاءهم بعد كارثة تشيرنوبيل مما بات يعرف بقطاع المنطقة المحظورة في روسيا البيضاء والذي تبلغ مساحته نحو 2200 كيلومتر مربع.
وقام الفريق بدراسة الحيوانات في هذا القطاع، ورغم انخفاض مستويات الإشعاع قرب المعامل فلا تزال المنطقة تُعَد غير صالحة لسكن البشر. وقد يتصور البعض أن المنطقة لا تزال قفراً ولا تسكنها سوى كثافات منخفضة من الحيوانات المتضررة وراثياً والمعرضة للإشعاع المزمن عبر أجيال متعددة. غير أن الحقيقة مختلفة تماما. حيث أظهرت الدراسات ارتفاعاً ملحوظاً في أعداد الخنازير البرية، والأيائل والغزلان، ما يمكن ترجمته بـإنتعاش الحياة البرية في منطقة الكارثة بغياب التدخل البشري.
وبمرور الوقت، استمرت أعداد الحياة البرية في النمو، مع استخدام الحيوانات لما تركه البشر من خلفهم. فقد زودتهم المحاصيل والحدائق والبساتين بإمدادات وفيرة من الغذاء. ووفرت المساكن ومباني المزارع المهجورة أعشاشاً وأوكاراً جاهزة. وبحلول عام 1993، ارتفع عدد الخنازير البرية إلى ستة أمثاله، قبل أن ينخفض إلى النصف بسبب تفشي الأمراض بينها وافتراسها من قِبَل الأعداد سريعة التزايد من الذئاب.
ولكن المفاجأة هي ان أعداد الثدييات الكبيرة في تشرنوبيل مماثلة لتلك في المحميات الطبيعية غير الملوثة في روسيا البيضاء، باستثناء الذئاب التي أصبحت أعدادها كبيرة للغاية في المنطقة المحيطة بالمفاعل. كما تُعَد المنطقة موطناً لحيوان الوشق بل وحتى لعدد قليل من الدببة البنية. ولا تُظهِر البيانات أي ارتباط بين مستويات الإشعاع وكثافات الثدييات، حيث تعادل أعداد الثدييات في أشد أجزاء المنطقة تلوثاً مثيلاتها في الأجزاء الأقل تلوثا.
ومن المؤكد أن حقيقة ازدهار الحيوانات في تشرنوبيل لا تعني أن الإشعاع مفيد للحياة البرية. فالإشعاع يتسبب في إلحاق الضرر بالحمض النووي، وعند المستويات الحالية لا يمكن استبعاد بعض التأثيرات على تناسل الحيوانات الفردية.
ولكن المقارنة مع ما حدث خارج المنطقة المتضررة مفيدة إلى حد كبير. فأياً كان مدى الضرر الذي أحدثه الإشعاع، كان الدمار الذي أحدثته التجمعات السكانية من البشر أعظم كثيرا. والواقع أن أعداد الأيائل والخنازير البرية في المناطق خارج منطقة الحظر أو في المحميات الطبيعية، شهدت انحدارات حادة، مع تسبب التغيرات الاجتماعية الاقتصادية الكبرى التي أعقبت سقوط الاتحاد السوفياتي في تفاقم الفقر الريفي وإعاقة جهود إدارة الحياة البرية.
وإذا كان الدمار النووي أقل ضررا من التجمعات البشرية على الحياة البرية، بات السؤال اليوم: هل الإنسان أخطر من تشيرنوبيل؟