شهدت دورة معرض بيروت العربي الدولي للكتاب في مركز بيال بيروت، توقيع العديد من الكتب السياسية والاقتصادية والاجتماعية وغيرها. وشهد جناح دار نيولاين توقيع كتاب " بازل ٣ والملاءة ٢ تحدّ جديد للقطاع المصرفي"، للاستاذين المحاضرين في الجامعة اللبنانية كلية العلوم الاقتصادية وادارة الاعمال، د. رنا هاني منصور ود. محمد سليم وهبه.
ويعرض الكتاب الذي يعتبر غاية في الاهمية، للاتفاقيات التي توصّلت إليها لجنة بازل بعد الأزمة المالية العالمية عام 2007 ، والتي سمحت بتعزيز القدرات الذاتية لأداء المصارف وبجعل النظام النقدي العالمي أكثر صلابة بوجه صدمات مقبلة. وشملت التوصيات الجديدة لاتفاقية بازل III والتي طالت الدعامة الثانية بشكلٍ واسعٍ، التركيز على المخاطر التي تعترض كافة نواحي النشاط المصرفي بما في ذلك أطر قياس هذه المخاطر وإدارتها. كما طالت الدعامة الثالثة جهة التشدّد في الإفصاح من قِبل المصارف لضمان شفافية السوق.
ويتناول الكتاب رأي القيّمين على المصارف العاملة في لبنان، لمدى تقبّل توصيات اتفاقية بازل III في القطاع المصرفي اللبناني، ومدى إمكانية تطبيق هذه التوصيات بأسلوب يتماشى مع أهداف المؤسسات المالية في لبنان، والفترات اللازمة للتطبيق.
وقد تمّ التوصل إلى ما يلي:
1- فيما يتعلّق بالحاكمية الإدارية، فإنّ التناقض على صعيد منهجي يدّل على أنّ المصارف العاملة في لبنان، ترى اعتبارات إضافية على صعيد تطبيق اتفاقية بازل III. وهي تعتبر أنّ المخاطر ليست العامل الأبرز على صعيد تشغيل مصرفي، وأنّ القواعد والحاكمية لا تسمح بالمرونة الإدارية وتقيّد المصرف إلى حدٍّ ما.
2- فيما يتعلّق بمدى تأثير النظم الداخلية على نسبة الملاءة II وكفاية رأس المال في المصارف العاملة في لبنان، هناك فصلاً في الإطار العام للنظم الداخلية عن الملاءة ونسبتها، ربما كون هذه المصارف تتمتّع بسيولة عالية تفوق معدّلات السيولة الآنية والبنيوية التي تطلّعت لجنة بازل III إلى فرضها.
3- إنّ مراجعة التغطية لبعض المخاطر وتصنيفها تُشير إلى جهوزية المصارف العاملة في لبنان فيما يتعلّق بمخاطر الإئتمان، لكن يُلاحظ عدم الجهوزية فيما يتعلّق بالتحضيرات الكاملة لمخاطر السوق، ومخاطر التشغيل بالرغم من أنّ وضع المصارف بالمجمل فيما يتعلّق بمخاطر التشغيل هو أفضل من وضعها فيما يتعلّق بمخاطر السوق، كونها مرتبطة داخلياً بالمصرف ويمكن التحكّم بها بصورة أفضل.
4- إنّ رأي مديري المخاطر في جهوزية المصارف العاملة في لبنان، قد تمّ تبيانه عبر وعي الموظّفين لقوانين إدارة كافة المخاطر والتي لم تكن إجاباتها دقيقة، وما زال التركيز يتمّ على المخاطر الإئتمانية، حيث أنّ قاعدة المعلومات للمخاطر الأخرى لا تُعتبر مكتملة ولا يمكن أن تُشكّل قاعدة مفيدة لاتّخاذ القرار خصوصاً فيما يتعلّق بمخاطر السوق وانضباطه، بالرغم من وجود محاولات على صعيد المخاطر التشغيلية ولكنّها لا تزال في بداياتها.
5- فيما يتعلّق بانعكاس اتفاقية بازل III على ربحية عدد من المصارف العاملة في لبنان واستمراريتها، تُدفع التكاليف العليا بنظر مجمل المصارف على تكنولوجيا المعلومات وخلال فترة 5 سنوات يمكن لهذه المصارف تشكيل قاعدة معلومات لاحتساب مخاطر الإئتمان والتشغيل في حال أرادت استخدام المنهجية الداخلية المتطوّرة. كما أنّه بتوافر استقرار داخلي فإنّ هذه المصارف تحتاج لفترة ما بين 5 و7 سنوات لاستخدام المنهجية الداخلية المتطوّرة لاحتساب مخاطر السوق، لكن بعدم توافر استقرار داخلي وخارجي فهذه الفترة يمكن أن تطول كون التغيّرات المتعاقبة لا تترك مجالاً لإنشاء أنموذج مقبول.
بمجمل الأحوال، وبنتيجة الدراسة، إنّ تطبيق اتفاقية بازل III في المصارف العاملة في لبنان ليس ممكناً 100٪، فهناك بضعة صعوبات تتعلّق بتحسين النظم المعلوماتية والإحتفاظ بالقدرات البشرية الماهرة رغم التزام هذه القدرات البشرية في المصرف بإجراءات إدارة المخاطر، فإنّ مجمل المصارف توافق على أنّ موظّفيها ملتزمون بالإجراءات الموضوعة من قِبلهم والفريق الخاص بتطبيق معايير اتفاقية بازل III هو فريق فعّال رغم حاجته للتدريب.
بدأت المصارف في لبنان تُصبح أكثر قلقاً وحذراً في تعاملها مع المودعين أو المقترضين بما يمثّل من تهديدات ومخاطر، فلم تعد الربحية هي الهدف الذي يهدّد استمرارية القطاع المصرفي بقدر ما أصبحت المخاطر المتأتية من جراء التعامل مع جهات مشكوك بمصدر أموالها عالمياً هي المهدّدة، خصوصاً وأنّ القرارات الأميركية المتعلّقة بمكافحة الإرهاب وتبييض الأموال تلزم المصارف التي لديها زبائن في الولايات المتحدة بموجب قانون الوطنية الأميركية بملاحقتها من قِبل الدولة حيث أنّ كلّ المعاملات بالدولار الأميركي يجب أنّ تمرّ بالنظام المصرفي الأميركي، وهي تملك القدرات التكنولوجية التي تمكنّها من متابعة كلّ المعلومات التي تمرّ بالنظام المصرفي العالمي ومراقبتها والإطّلاع عليها.
مع لفت النظر إلى أنّ المصارف العاملة في لبنان تلقّت رسائل من المصارف المراسلة الأميركية في العام 2012 تطلب منها التشدّد في العمليات المصرفية، كما طلبت منها وقف التعامل مع تجّار السيارات المستعملة. ثمّ استُكمل الضغط الأميركي عن طريق الطلب من السلطات اللبنانية توقيع قانون الإمتثال الضريبي الأميركي على الحسابات الأجنبية الذي يهدف إلى معرفة حسابات الأميركيين في لبنان، الأمر الذي يشكّل خطراً فعلياً على الكثير من المصارف في لبنان.
تبقى المخاطر التي تطال المصارف الكبيرة جداً في لبنان والمصنّفة ضمن المجموعة آلفا، وهي بحسب التعبير المصرفي "كبيرة جداً لتفلس"، ذات انعكاسات إرتدادية على كافة المصارف والقطاعات الاقتصادية في لبنان. فهل سيقوم مصرف لبنان بإعادة هيكلة المصارف في مسار عكسي للدمج؟ أم سيقوم بفرض نسبة إضافية على المصارف في لبنان مرتبطة بحجم المصرف، ليكون لهذه المصارف القدرة على امتصاص الأزمات في حال حدوثها؟ أم سيكتفي، وتحت ضغط هذه المصارف، بالتصريح أنّ آليات السوق ومحدودية الأدوات المالية والسيولة العالية كافية لتحصين القطاع المصرفي؟ وهذا قد يكون إشكالية وعنوان بحث آخر له أطره الخاصة.
أخيراً، حتى وإن نجح لبنان في تطبيق اتفاقية بازل III، يطرح المؤلفان سؤالا حول مصير القطاع المصرفي أمام خطر سياسي داهم متأتٍ من خارج سرب المعايير المصرفية ممّا قد يهدّد استمراريته؟