تشير الحكمة الاقتصادية التقليدية إلى أن الحروب التجارية تضر البلدان المصدرة أكثر من المستوردة، لأنه إذا فرض طرفان تعريفة جمركية متساوية على منتجاتهما، فإن البلد الذي يصدر أكثر سيخسر أكثر، بحسب تقرير لـ"ساوث تشاينا مورنينغ بوست".
وهذا يفسر جزئيًّا على الأقل لماذا تحسنت قيمة الدولار الأميركي خلال الأشهر القليلة الماضية، وكونها أكبر مستورد في العالم، فمن الناحية النظرية ستكون خسارة الولايات المتحدة أقل خلال الحرب التجارية مع الصين.
ولكن ما مدى صحة هذه النظرية على أرض والواقع؟
ببساطة الصين لا تشتري ما يكفي من الولايات المتحدة لفرض رسوم متساوية ردًّا على الهجوم التجاري الأميركي عليها.
وقد تستهدف بكين العمليات الصينية لشركات أميركية، مثل جنرال موتورز وآبل، التي تبيع أجهزة آيفون في الصين أكثر مما تبيع في الولايات المتحدة، فهذه المنتجات تصنع محليا، ومن ثم سيتم الإضرار بالاقتصاد الصيني أكثر من نظيره الأميركي.
ولكن هذا لا يعني بالضرورة أن الوضع الصيني سيزداد سوءا في الحرب التجارية، فالعديد من الواردات الصينية التي تستهدفها واشنطن، تشكل روابط حيوية في سلاسل التوريد للشركات في الولايات المتحدة نفسها، فمثلًا تستورد العديد من الشركات الأميركية السلع الوسيطة من الصين كمدخلات لعمليات التصنيع الخاصة بها.
ولعل العجيب أن شركة مثل "كومينس" للصناعات الثقيلة، تستخدم الصين كقاعدة لتصنيع بعض مكونات المحركات التي تنتجها في الولايات المتحدة، وسيتعين عليها الآن دفع نسبة 25 في المئة رسوم جمركية لاستيراد مكوناتها من الصين.
وبشكل مشابه، تحتوي العديد من المنتجات الإلكترونية التي تستوردها الولايات المتحدة من الصين على مكونات مصنعة في أميركا. ومع فرض رسوم جمركية على وارداتها من الصين، ففي كثير من البنود، ستكون واشنطن تعاقب صناعاتها المصدرة.
ولا يتمتع الاقتصاد الأميركي اليوم بقدرات احتياطية كبيرة، وبدأت الضغوط التضخمية تظهر، ونتيجة لذلك ستكافح الشركات في الولايات المتحدة من أجل زيادة إنتاجها المحلي ليعوض المنتجات المستوردة الخاضعة للتعريفات الجديدة.
وهذا يعني أن المصدرين الصينيين لن يضطروا إلى استيعاب تكاليف التعريفات، بل سيمررونها إلى عملائهم في الولايات المتحدة. ومن المرجح أن تكون النتيجة ارتفاع التضخم في أميركا، وزيادة أسعار الفائدة، وتباطؤ النمو الاقتصادي الحقيقي.
وباختصار، فعلى الرغم من أن الصين ستواجه صعوبة في الانتقام خلال الحرب التجارية القادمة، فإنها يمكن أن تخرج فائزة من حيث القيمة النسبية، لأن تعريفة واردات الرئيس الأميركي دونالد ترامب سترتد عليه وتضر باقتصاد بلاده أكثر مما ستفعل بالصين.