فسّر رئيس التجمع الاقتصادي الاجتماعي من اجل لبنان د. ألفرد رياشي، اللغط والخلط الحاصلين بين اللامركزية الادارية واللامركزية الاقتصادية، بأن المفهومين مختلفان في المضمون، ولكن يلتقيان في الجوهر، مشيرا الى ان الثابت هو أن تطبيق مفهوم اللامركزية الاقتصادية، سينتج عنه حكما تنفيذ للامركزية الادارية، وبالتالي الحاجة الى تبني اللامركزية الدستورية.
وقال رياشي في حديث لموقع اخبار الاقتصاد Business Echoes ، ان اللامركزية الادارية تعتمد على تنظيم وادارة قسم من قطاعات الدولة وتقسيمها الى وحدات وادارات مصغرة، كالضمان ودفع الجباية المالية ضمن اطار جغرافي اضيق، والتي قد تلحق مسائل ادارة شؤونها ببعض البلديات.
اما مفهوم الامركزية الاقتصادية فانه يقوم ويستند على تطوير كل منطقة أكانت قضاء او محافظة من خلال مبادرة اللامركزية بدءا من إنشاء موارد الإيرادات واخرى لادارة المصاريف.
وتتمثل ابرز ميزات اللامركزية الاقتصادية، بحسب رياشي، بانها تؤمن نموا متوازنا وتشجع سكان القرى على البقاء في مناطقهم، وتحد من الهجرة الى المدن، ومزاحمة قطاع العمل التي تنتج عنها تاثيرات سلبية على العجلة الانتاجية.
ويرى رياشي انه يمكن للامركزية الاقتصادية، ان تبدأ عبر خلق مناطق حرة لتشجيع الحركة التجارية من ثم تلزيم بعض القطاعات المنتجة كقطاع الطاقة، المياه، النقل والاشغال وغيرها، وبمساهمة فاعلة مع البلديات عبر ما يعرف بالشراكة مع القطاع الخاص او ال B.O.T. .
ومن الناحية الاستراتيجية، فأن عملية الانتقال من النظام الاقتصادي المركزي الى النظام الاقتصادي اللامركزي، تبدأ عبر عملية تحوير وتحويل للإقتصاد من خدماتي الى انتاجي، تكون اسسه مرتكزة على مبدأ زيادة الصادرات. ولكن هذه العملية بحسب د. رياشي تحتاج الى تفعيل الانتاج ووضع اطر للتمايز ضمن القطاعات الخدماتية-الصناعية والزراعية، ولكن مع الاخذ بعين الاعتبار تجنب حصول اي نوع من التنافس السلبي اي المنافسة القائمة على عنصر الاسعار والخدمات والمنتجات المماثلة من قبل المناطق الاخرى والتركيز على مفهوم ما يعرف بالميزة التفاضلية او Comparative Advantage ، اي في هذه الحالة كل منطقة اكانت محافظة او قضاء، او حتى بلدية تعمل السلطة المحلية فيها على تطوير وتفعيل القطاعات الاقتصادية من خلال التركيز على انتاج وتسويق منتجات او خدمات متمايزة تصبح من ضمن اختصاصها فقط، ضاربا مثلا محافظة البقاع التي تشتهر بتصنيع النبيذ، حيث ان حصرية هذا الانتاج وتشجيعه يجب ان ترتكز فيها نظرا لخبرات اهلها وتملكهم الخمارات التي تفتقد لها المناطق الاخرى، ايضا الانتفاع من بعض الموارد الزراعية والتي يمكن تحويرها كزراعة الحشيشة والتي وبحسب الابحاث، فان الحشيشة اللبنانية تمتاز بجودة متمايزة والتي في حال تم استخدامها وتسويقها الى شركات الادوية، فمن الممكن لها ان تدُر مداخيل لا بأس بها، ولكن مع الاخذ بعين الاعتبار وضع نظام رقابي صارم من اجل تجٌنب استعمالها في اغراض غير شرعية. اما فيما يخص المرافق العامة، يقول رياشي ان من شأن اللامركزية الاقتصادية ان تؤمن نموا وايرادات متعددة، كايرادات المرافئ ما من شأنه ان يؤمن ايضا ايرادات ويشجع التصدير ويخفض من تكلفة المواصلات بسبب انحسارها ضمن اطار جغرافي ضيق.
رياشي يرى ان دور الدولة والسلطة المركزية يكمن في توجيه عملية تحوير الاقتصاد، ووضع اطر للتنافس الايجابي، المفترض ان يحصل، كما يمكن ان يكون لها دور داعم وخاصة في الازمات الدقيقة، كدور مصرف لبنان عبر تشبيه المناطق الى المصارف التجارية والاستثمارية وغيرها، حيث لكل مصرف كيانه الخاص ولكنه يلتزم بالسياسات النقدية العامة ويدعم بالمقابل عند حدوث ازمات معينة.
اما عن سبل تامين الموارد يقول رياشي ان على الحكومة المركزية، ان يكون لها اطار جغرافي وسياسة اقتصادية، تعتمد فيهما على ما يعرف باقتصاد المعرفة "”Knowledge Economy ، وعلى السلطات الغير مركزية من جهة اخرى ، وضمن المنظومة الاقتصادية المقترحة ان تخصص نسبة من ضرائبها وعائداتها عبر ايداعها (كمورد احتياطي)، بتصرف السلطة المركزية من اجل تعزيز وضعها الاقتصادي والمالي والحصول على الدعم الازم في الازمات المحتملة.
وينهي رياشي حديثه بالتساؤل: هل آن الاوان لبناء نظام عملي وجديد من اجل النهوض بالاقتصاد الوطني؟