عادة ما يتجه الطلاب لدى انتهاء مرحلة دراستهم الثانوية إلى إختيار الاختصاصات الجامعية التي تؤهلهم لشق طريق مهنة المستقبل متأثرين باحدى العوامل التالية :
- توجيه الأهل إلى المهنة التي يمارسها الوالد .
- حب التقليد الذي يعود لنظرة المجتمع إلى بعض المهن المميزة مثل الطب والهندسة والمحاماة والأسلاك العسكرية وغيرها ....
- الظروف المادية التي لا تتيح للطالب الانفاق على الاختصاصات ذات الكلفة المرتفعة أو التي تحتاج لوقت طويل أو الجامعات ذات الأقساط المرتفعة.
- عدم توفر إمكانية حصوله على التمويل اللازم لتغطية تكاليف تعليمه الجامعي بشروط ميسره.
وبالتالي فإن اعتماد هذه المقاربة في تحديد المسار المهني، تجافي الاصول العلمية الواجب اتباعها وتتنافى مع الميول الحقيقية للطالب، مما قد يعرضه للفشل في الدراسة الجامعية أو في الحياة العملية، لانه قد يمارس مهنة لا يحبها ، ومن المعروف أن حب المهنة هو أحد أسرار النجاح فيها. ويؤدي ذلك إلى تشوهات في مستوى التخصصات وفي إعداد الخريجين، وهذا ما يحدث في دولنا ومجتمعاتنا العربية، حيث نشهد هبوطاً في مستوى الشهادة الجامعية، وتضخماً في إعداد الخريجين شبه العاطلين عن العمل، وتراجعاً في مستويات دخولهم.
ومما لا شك فيه ان لبنان يعاني من هذه الظاهرة التي أخذت تتفاعل منذ عقدين ونيف، للاسباب التالية :
- الترخيص غير المدروس للجامعات والمعاهد العلمية العليا الذي لا يراعي حاجة سوق العمل ولا المعايير العلمية للتعليم الجامعي.
- عدم قيام الجهات المختصة في الدولة، بدراسة سوق العمل وإستكشاف الحاجات الحقيقية لهذه السوق وطاقتها الاستيعابية، ووضع سياسة تعليم جامعي تتماشى مع واقع هذه الاسواق ومستقبلها.
- إهمال التوجه نحو التعليم المهني الذي يخدم الاقتصاد الحقيقي.
ولعله من المفيد التذكير بأن جامعاتنا ومعاهدنا تخرِّج سنوياً ما بين 3-5 اضعاف، حاجة سوق العمل.
إزاء هذا الواقع لا بد من العمل في اتجاهين متوازيين :
أولاً : إطلاق صفارة الانذار باتجاه المعنيين في الدولة لحثهم على معالجة هذه المشكلة والعمل على تشخيصها بدقة وواقعية، ووضع السياسات الآيلة إلى التغلب عليها، حيث ان اعداد الخريجين شبه العاطلين عن العمل، باتت تشكل قنبلة موقوتة قد تنفجر عند أول منعطف، فالخريج المحبط قد ينحرف بسهولة، وقد يهاجر، وفي الحالتين خسارة لبلده ولاهله ومجتمعه. وأهم هذه السياسات هي التدقيق في أوضاع الجامعات والمعاهد العليا ووضعها تحت المراقبة الدائمة والفاعلة للتأكد من مطابقة أوضاعها مع للانظمة والقوانين والمعايير المفروضة، وإعادة النظر في شروط الترخيص للتعليم الجامعي لجهة التشدد في المعايير والشروط المفروضة . فهل تتوفر لذى السؤولين هذه الرؤية؟
ثانياً : إطلاق برامج توجيهية وإرشادية للطالبات والطلاب الثانويين، لإرشادهم إلى الاختصاصات التي تناسب ميولهم ورغباتهم وقدراتهم الذهنية وأوضاعهم المادية، ولتعريفهم بالاختصاصات الحديثة التي بدأت تغزو العالم ، وأهمها :
- الصناعات الطبية والمخبرية والجرثومية والصحية .
- الصناعات المرتبطة بتكنولوجيا المعلومات .
- وسائل تواصل الاجتماعي والصحافة الإلكترونية .
- الاقتصاد الرقمي وإقتصاد المعرفة .
- أسواق رأس المال الحديثة.
- الصناعة المصرفية المتطورة وغيرها ....
ان المسؤولية في تصحيح مسار التعليم الجامعي من جهة، وتوجيه وإرشاد الطلاب نحو الاختصاصات الحديثة والتي تتناسب مع واقعهم من جهة اخرى، تقع على على كافة الجهات المعنية في البلاد ، وبالتحديد :
- المسؤولين التربويين (وزارة التعليم العالي والمجلس الأعلى للجامعات ).
- الجامعات والمعاهد العليا .
- الأهل .
- النقابات المهنية.
- وسائل الاعلام .
ولكي لا يضيع الطالب وسط هذا البحر المعتم وحالة عدم الوضوح ، فإنني أوجه إلى طالباتنا وطلابنا الرسالة التالية :
عزيزتي الطالبة ، عزيزي الطالب :
- أكتشف نفسك وميولك ورغباتك وقدراتك العلمية والذهنية .
- ابحث عن الاختصاصات الحديثة والتي تتوافر لها اسواق العمل المحلية بدرجة الأولى.
- توسع في الاستشارة والاستفسار .
- إذا كنت عاجزاً عن تمويل نفقات تعليمك الجامعي، اتجه نحو مؤسسات التمويل التي تقدم هذه التسهيلات ضمن شروط قابلة للتحمل.
- إبتعد عن التقاليد والمحاكاة .
- لا تشعر بالخجل من الاختصاصات المتوافرة في التعليم المهني فقد تحقق لك مستقبلاً لا يقل أهمية عن غيرها إذا كنت تحبها.
- إختر الجامعة التي تتمتع بمصداقية عالية وسمعة جيدة، ولا تتأثر بالدعايات المنشورة على الطرقات فهناك الكثير من الجامعات الدكاكين، التي تدفع إلى سوق العمل خريجين شبه اميين .
إذا استطعت تحديد رغباتك وميولك وقدراتك الذهنية وفقاً للآلية الآنفة الذكر، تستطيع تحديد خياراتك وبالتالي تكون قد امتلكت مفتاح نجاحك .
*بقلم بهيج الخطيب - مستشار وخبير مصرفي لموقع أخبار الإقتصاد Business Echoes