لا يخفى على اللبنانيين بأنهم يعيشون في كنف سلطة مركزية لا تقوى على مواجهة الأزمات، فيزداد بذلك الشرخ الكبير بين طبقات المجتمع، الأمر الذي يُعمق جراح الطبقة المتوسطة.
هنا أهم ما يمكن الإضاءة عليه بالأرقام من سلبيات السلطة المركزية التي ترفع الإجحاف بحق تطبيق اللامركزية الإقتصادية بمستواها البلدي (إلى حين تطبيق اللامركزية الموسعة التي نص عليها إتفاق الطائف)، فتضرب عن قصد أو غير قصد مسيرة الإنماء المحلي، مستبدلةً إياها بالحرمان المحلي.
إنَّ اللامركزية الإقتصادية هي عبارة عن توسيع قدرة الإدارات المحلية المتمثلة اليوم بالبلديات، الأمر الذي سيرفع من قدرتها المالية التي ستدفعها نحو تحقيق سياسة الإنماء الذاتي، فتتحقق اللامركزية الإقتصادي بشكلها الأولي.
تشكل نفقات البلديات اليوم قرابة ال٤٪ من نفقات الدولة المركزية، بناء لدراسات أُجريت في هذا الشأن قمت بمقارنتها مع أرقام الموازنة المطروحة. تشير الدراسات إلى عددٍ من الأرقام المهمة التي قمت بتحليلها ثم ربطها ببعضها البعض لتقديم مادة للقارئ المهتم بهذا الملف بشكلٍ تقريبي ولكن دقيق. تنفق الدولة من الصندوق البلدي المستقل قرابة ال٥٠٪ إلى المتعهدين المستثمرين في ملف النفايات، إذًا لو قامت الدولة بتحويل هذه الأرقام إلى البلديات لأصبحت نفقاتها قرابة ال٨٪ محليًا هذا دون أن نحتسب بأنَّ البلديات تستطيع أن تستفيد من هذه المبالغ كما من النفايات لتحولها لإستثمار إضافي يساهم أقله بعدم صرف هكذا مبالغ على النفايات التي سترد كلفتها من خلال بيعها فيتم بالتالي تعزيز الإنماء المحلي من خلال إستثمار النفايات والأموال.
ثم ننتقل إلى الرسوم التي تستوفيها الدولة لصالح البلديات والتي تشكل قرابة ٣٪ من إجمالي نفقات الدولة سنويًا ، فنكون أصبحنا هنا عند عتبة ال١١٪ مقابل نفقات الدولة.
نتجه الآن نحو الرسوم التي تستوفيها المصالح المستقلة أو المؤسسات العامة لصالح البلديات والتي تدفع الدولة فيها فقط الإيرادات المتأتية من الهاتف الثابت وإيرادات إستهلاك المياه في حين تتغاضى عن الإيرادات المتأتية من رسوم إستهلاك الكهرباء ورسوم الهاتف الخلوي. لا يمكن إحتساب رسوم الكهرباء نظرًا لغرق مؤسسات الدولة في فسادها الإداري، بالتالي يبقى السؤال مفتوح حول كيف ولماذا، كيف تُصرف هذه الأموال، ولماذا لا تُدفع إلى البلديات طالما هي خارجة من جيب المواطن كرسم للبلديات! إذا أرادت الدولة تحميل عجزها في جباية الكهرباء إلى البلديات، فلماذا لا تقوم بوضع خطة "لامركزية الكهرباء" بالإشتراك مع القطاع الخاص لتتشارك البلديات والأقضية والقطاع الخاص إنتاج وبيع الكهرباء؟ أين الدولة من ذلك، ومن المستفيد في ذلك؟
نتجه الآن إلى ملف الخلوي الذي شكل سابقًا علامات إستفهام على دولة تحتسب إيرادات علمية بشكل مقطوع وتقديري! أين داتا إحتساب قيمة الإتصالات الإجمالية؟ وأين داتا التحويلات بحصة البلديات؟ تقدر عائدات الخلوي الغير مدفوعة بمليار وأربعة وأربعين مليون دولار عن السنوات بين ١٩٩٤-٢٠١٥، كما تُقَدَّر حصة البلديات من عائدات الخلوي بحدود ال١.٥٪ سنويًا من نفقات الدولة، وإذا أضفنا هذا الرقم إلى ال١١٪ السابقة، نصل إلى ١٢.٥٪ من حصة البلديات تجاه نفقات الدولة. هذا دون إحتساب عائدات الكهرباء وبعض المساعدات التي يمكن للبلديات الإعتماد عليها لإستثمارها في الإنماء المحلي.
هذه الأرقام التي تلحظ نفقات البلديات مقابل نفقات الحكومة تنقصها المبالغ الغير دقيقة جدًا والتي ترصدها الحكومة المركزية بحجة الإنماء المتوازن، والتي إذا أضفناها إلى حصة الأطراف سنستطيع الصعود بلبنان ليصبح بمستوى الدول التي تعتمد الإنماء المحلي كركيزة أساسية في بناء مجتمعاتها وإنماءها.
بقلم الدكتور المهندس زكريا حمودان
مؤلف كتاب "اللامركزية، الطريق إلى الإنماء والإستقرار"
رئيس التجمع الوطني للامركزية ونشر الديمقراطية
مدير الوطنية للدراسات والإحصاء